* الرياض - الجزيرة:
صدر حديثاً كتاب (آفة التدخين بين الطب والدين), من إعداد الأستاذ سلمان بن محمد العُمري, الذي يعرض من خلاله رأي وحكمة الشريعة الإسلامية في تحريم التدخين, قبل أن يثبت الطب والدراسات الطبية الحديثة الأضرار الكارثية لآفة التدخين على صحة الفرد.
ويعرض المؤلف بالأدلة والأرقام التي رصدتها الهيئات المحلية والإقليمية والدولية, حجم الأضرار المترتبة على انتشار ظاهرة التدخين, وهي الأضرار التي تشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والصحية, ومن ذلك ما أوردته منظمة الصحة العالمية من أن عدد ضحايا التدخين سوف يصل إلى أكثر من 10 ملايين شخص سنوياً بحلول عام 2030م, منهم 7 ملايين في الدول النامية والعالم الثالث.
وقد حرص المؤلف على توخي الدقة في بيان حجم هذه المشكلة, وتقديمها لكل من يحاول التقليل من حجم الظاهرة, والأضرار المترتبة عليها, كما توقف عند الجهود المشكورة للدولة في مكافحة انتشار هذه الآفة من خلال عيادات مكافحة التدخين, التي تستقبل عشرات الآلاف من المراجعين, أو البرامج الأخرى التي تتبناها وزارة الصحة.
ولعل أخطر ما جاء عبر صفحات الكتاب في بيان حجم المشكلة, هو أن المملكة تحتل المرتبة الرابعة عالمياً من حيث عدد المدخنين بها من المواطنين والمقيمين, يتجاوز 6 ملايين مدخن, يحرقون ما يزيد على 12 مليار ريال كل عام على الدخان.
ومن المفارقات المحزنة التي عرضها المؤلف بالأرقام, أن أكثر من 30% من تلاميذ المدارس الحكومية في المرحلتين المتوسطة والثانوية من المدخنين, وما يقرب من 35 إلى 50% من الطالبات والمعلمات سقطن في براثن هذه الآفة.
ويعرض العُمري باستفاضة لأدلة تحريم التدخين في الشريعة الإسلامية, انطلاقا من أن التدخين من الخبائث التي حرمها الله بنصوص واضحة في القرآن الكريم, إضافة إلى ما يصاحب هذه الآفة من قتل للنفس, وإهدار للمال, وإيذاء للغير, ومجاهرة بالمعصية.
ويورد الكتاب عدداً كبيراً من الفتاوى المعاصرة الصادرة عن هيئة كبار العلماء في تحريم التدخين وبيعه والاتجار فيه، وترد على كل من يشككون في تحريم التدخين، وضمت قائمة الفتاوى ما أفتى به سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله, والشيخ عبد الله بن جبرين, وعدداً كبيراً من الفتاوى الموثقة الصادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء.
ويقدم الكتاب في الجزء الأكبر منه آراء الأطباء في مختلف تخصصات الطب, من خلال كوكبة من الأطباء, حول أضرار التدخين, وكيفية حدوثها, وهي أضرار لا تخفى على عاقل, وتتراوح ما بين أضرار محدودة, وأضرار تصل إلى أخطر الأمراض, وعلى رأسها الأورام السرطانية وأمراض القلب, ويصل عدد هذه الأمراض إلى أكثر من (25) مرضاً, تشمل النساء والرجال والأطفال على حد سواء, بل وحتى الحمل في الأرحام للمدخنات.
وكان لأطباء مستشفى الحمادي بالرياض آراء متفقة, ومجتمعة على خطورة أضرار التدخين على الإنسان, أوردها مؤلف الكتاب رغبة في تعميم الفائدة, وتبصيراً للناس بهذه الممارسة الضارة والسيئة على أفراد المجتمع الصغير منهم قبل الكبير.
ومما يحسب للمؤلف انه لم يكتف ببيان حجم المشكلة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية والطبية, وتحريم الشريعة لهذه الآفة فحسب, بل أفرد مساحة كبيرة لمعرفة كيفية حدوث الإدمان على التدخين, وتقديم عدد من التوجيهات المساعدة للإقلاع عن التدخين, كما يراها الأطباء والمختصون في علاج الإدمان, بالإضافة إلى عدد من التوصيات العامة لتحجيم هذه الظاهرة, وتحديد مسؤولية كل فرد لتحقيق هذا الهدف, بدءاً من الأسرة مروراً بالمدرسة, وغيرها من المؤسسات الاجتماعية والإعلامية والقانونية والثقافية والرياضية وغيرها.. وتقديم عدد من المقترحات والتوصيات المهمة لتضييق الخناق على هذه الآفة التي تنخر في جسد المجتمع.
وقد توصل مؤلف الكتاب إلى العديد من التوصيات والنتائج المهمة حسبما تناوله من حيثيات, أهمها مطالبته ذوي العلاقة بالاهتمام والعناية بالتربية الإسلامية الصحيحة لأجيال الناشئة والشباب ذكوراً وإناثاُ, بدءاً من أولياء أمورهم, مروراً بالمعلمين والمعلمات، وانتهاء بكل من له علاقة بهم في حياتهم العملية, بهدف تطبيق التربية الدينية السليمة والقويمة، وبيان حكم الشرع في التدخين وضرره وفتكه, وأهمية إيجاد القدوة الصالحة في البيت والمدرسة والمجتمع, وفي أجهزة الإعلام المختلفة.
كما طالب المؤلف بمنع ممارسة التدخين في أوساط المربين والمدرسين أمام الطلاب وصغار السن, وكذلك أهاب بالجهات ذات العلاقة تنظيم الندوات الكبرى المتخصصة في هذا الشأن, ويشارك فيها العديد من الجهات الحكومية والأهلية والخيرية، وبخاصة وزارة الصحة, ووزارات الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والتربية والتعليم, والثقافة والإعلام, والجامعات بهدف إيضاح أضرار التدخين من جميع الجوانب, وإعداد توصياتها, وتنفيذ حملات إعلامية مركزة يشترك فيها العلماء والأطباء والأجهزة المختصة.
وشدد الأستاذ سلمان العُمري في توصياته على أهمية تفعيل منع التدخين منعاً باتاً في أماكن العمل الحكومية والخاصة, ووسائل المواصلات المختلفة, وفي الأماكن العامة, تمشياً مع قرار مجلس الوزراء القاضي بمنع التدخين, كما دعا إلى رفع نسبة الرسوم الجمركية على التبغ بأنواعه المختلفة, وكذا حظر بيع الدخان ومشتقاته من الجراك والمعسل ومعداتها بمحلات المواد الغذائية, وتحديد أماكن لهم بعيدة عن الأحياء, بالإضافة إلى منع بيع الدخان ومشتقاته لمن تقل أعمارهم عن (18) عاماً, وفرض غرامات مالية رادعة للمخالف, وغير ذلك من التوصيات التي أوردها المؤلف في كتابه.
|