Monday 22nd March,200411498العددالأثنين 1 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أحداث القامشلي في الخارطة السورية أحداث القامشلي في الخارطة السورية
المناخ الإقليمي ساعد في انتشار الاضطرابات

  * دمشق - الجزيرة - عبد الكريم العفنان:
شغل الوضع الكردي في سورية اهتمام المراقبين والمحللين السياسيين، على اعتبار أنه دخل في صلب النسيج الاجتماعي السوري؛ في وقت تعاني فيه دمشق من ضغوط سياسية أمريكية حادة. وإذا كانت الحكومة السورية استطاعت بسط النظام في مناطق الجزيرة بشكل سريع، مقارنة مع سرعة الأحداث وامتدادها الجغرافي، فإن الوضع الكردي فتح عبر هذه الأحداث جملة من الأسئلة ترتبط أساسا بعلاقتها داخل الجغرافية السياسية السورية إجمالا.
ويؤكد مازن بلال، الباحث السوري في الشأن الكردي، مدير مركز سورية الغد للدراسات الاستراتيجية، أن ما حدث يحمل مؤشرات فقط حول الوضع انتربولوجي في سورية. فإذا كانت الوحدة الوطنية أمرا حاسما واستراتيجيا بالنسبة لكافة السوريين، فإن عليهم أن يولوا اهتماما بشأن التكوين السكاني السوري. فسورية لا تحوي أقليات حسب ما يؤكده الأستاذ بلال، لأنها مزيج سكاني بالدرجة الأولى، والتنوع فيها هو مصدر قوتها الأساسي.
و(الجزيرة) التي التقت الباحث مازن بلال أثارت معه كافة الأسئلة المرتبطة بهذا الموضوع... وهذا نص الحوار:
الجزيرة: روجت الأحداث التي شهدتها مدينة القامشلي السورية مصطلح (كردستان الغربية)، هل ترون أن هذه محاولة أمريكية جديدة لاستفزاز سورية، ولاسيما وأن دمشق تحدثت عن دخول مندسين أجانب؟
- مصطلح (كردستان الغربية) ليس جديدا. وهناك موقع على الإنترنيت بهذا الاسم. فمن الوجهة العملية هناك من يتحدث ولو خارج سورية عن مناطق الجزيرة السورية كجزء من (الوطن). لكن واقع الحال أن كافة الأحزاب السورية الكردية لا تتحدث بهذا المنطق. ولا تستخدم هذا المصطلح في خطابها السياسي. وهذا لا يمنع من ربط ظهوره بقوة اليوم داخل بعض التقارير الإعلامية بالضغوط الأمريكية على سورية، فما حدث في القامشلي يثير مجموعة من إشارات الاستفهام حول الوضع الإقليمي. ولا شك أن الولايات المتحدة تستفيد من مثل هذه الاضطرابات وتتعامل معها كأوراق ضغط جديدة تجاه دمشق.
ولكي لا نربط هذا الأحداث وفق منطق المؤامرة علينا أن نعيد قراءتها وفق مناخ عام ساد المنطقة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق. فهناك بالدرجة الأولى وضعية الاضطراب التي خلقتها الإدارة الأمريكية عبر التفاوض مع الجهات الكردية في شمال العراق. هذا الأمر أعاد صياغة العلاقات السياسية الإقليمية بشكل كامل. والأمر الثاني هو النموذج الذي فرضه الاحتلال الأمريكي عبر دستور إدارة الدولة المؤقت الذي قدم نموذجا في فرض وضعية على المنطقة غير مألوفة، وتحوي مخاطر على وحدة العراق! وباقي الدول المجاورة. بهذا الشكل يبدو الاستفزاز الأمريكي لسورية مفتوحا على احتمالات كثيرة ولا يرتبط بوضعية خاصة متعلقة بالأكراد. وضمن هذا الإطار يدخل موضوع تسرب الإرهابيين إلى العراق على حد ادعاء الولايات المتحدة. وفي المقابل فإن سورية عندما تتحدث عن مندسين، فإن هذا المصطلح لا يعني الأكراد، إنما يتحدث عن فئات ليست كردية بالضرورة. ومن الضرورة عند الحديث عن الاستفزازات الأمريكية لدمشق التماس الحذر لأن علاقة الدولتين تمر اليوم بمرحلة دقيقة. والخطاب الرسمي السوري لم يطرح اتهامات مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الأمر هام بالنسبة لدمشق في هذه المرحلة. فهي لا تتحدث عن تدخل مباشر أو تتهم طرفا محددا، لأنها تدرك أن المسألة متعلقة بوحدتها الوطنية بالدرجة الأولى.
الجزيرة: كيف تفسر انتقال الأحداث من مدينة القامشلي إلى مدينتي حلب ودمشق؟ هل في هذا المد ظاهرة استقواء سياسي بالجار الجديد لسورية (الولايات المتحدة)؟
- الانتقال طبيعي في ظل انتشار الشريحة الكردية في كافة المناطق السورية. هذا من حيث المبدأ. لكن السؤال هنا لماذا كان هذا المد عنيفا؟ أو لماذا لم تستطع القوى الكردية نفسها الحد منه؟ باعتقادي أن بداية الأحداث تُظهر أن خلفيتها باهتة. فالشغب في الملاعب منتشر في كافة أنحاء العالم. لكن إذا حاولنا النظر بشكل أكثر عمقا نجد أن التيار الكردي كان ينشط خلال السنوات الأخيرة. واعتمدت على التحالف مع باقي القوى السورية (المعارضة). بهذا الشكل انتقلت الأحزاب السورية الكردية من (المطلب القومي) إن صح التعبير، إلى المطلب الحقوقي من خلال مسائل المجردين واثبات الهوية الثقافية. وإذا حاولنا أن نربط حركة التيارات الكردية بما حدث فإننا نلاحظ أن الظرف السياسي يساعد على الانتشار السريع. وفي نفس الوقت فإن تعدد الأحزاب الكردية (12حزبا باستثناء بقايا حزب العمال الكردستاني)، لم يمكنها منذ البداية من حصر الأحداث في منطقة محددة. إضافة للتوقيت الذي تزامن مع ظهور دستور الإدارة المؤقتة للدولة في العراق وذكرى حلبجة واقتراب عيد نيروز (21 آذار). وعلينا أن لا ننسى أننا نعيش في عالم مفتوح تسهل الاتصالات فيه القدرة على التحرك. كما أن حجم الحدث ساعد في انتشاره. والأكراد يملكون في مخزونهم الثقافي ذاكرة مليئة بالأحداث المماثلة، ليس في سورية بل في العراق وتركيا. فسوريا لم تشهد مثل هذا الاقتتال، على الأقل في تاريخها الحديث. وأنا هنا لا أخفف من حجم المسألة الكردية في سورية، لكنها كانت أبعد ما تكون عن العنف والاقتتال الداخلي. بل اتخذت وضعيات سياسية وتحالفات دائمة مع باقي الأحزاب السوري مثل الحزب الشيوعي السوري.
وعلينا أن نتذكر هنا القيادات السياسية السورية منذ الاستقلال وحتى اليوم، حيث لعبت الشريحة الكردية دورا بارزا فيها. فعلى سبيل المثال لا الحصر كان هناك قائد ثورة الشمال ضد الفرنسيين ابراهيم هنانو، ووزير الدفاع السوري الذي استشهد في معركة ميسلون يوسف العظمة، والقائد التاريخي للحزب الشيوعي السوري خالد بكداش. إضافة لعدد كبير من رؤساء الوزارات السورية مثل محسن البرازي ومحمود الأيوبي وكلهم من الأكراد. لذلك فإن الشريحة الكردية في سورية كانت متفاعلة إلى حد كبير من وحدة الحياة السورية. لذلك فإن ما حصل كان غريبا عن تاريخ الحركة الكردية في سورية، وهو أيضا مؤشر خطير يجب معالجته على مستوى الحوار السياسي والاجتماعي بشكل رسمي، وضمن النخب الثقافية والسياسية أيضا.
الجزيرة: لكن هناك من يخطِّئ النظام السوري (تاريخيا) في التعاطي مع المسألة الكردية...
- دعني اتحفظ على مصطلح (نظام).. هناك دولة سورية منذ الاستقلال تعاملت مع المسألة الكردية. ومما لا شك فيه أن الوضع الكردي خضع لجملة من التباين في التعامل، وذلك وفق طبيعة المرحلة. فعندما اندلعت ثورة البرزاني في العراق، تأثر أكراد سورية بها؛ وكانت نتيجة هذا الأمر الإحصاء الاستثنائي الذي جرى في مدينة الحسكة عام 1962، وجرد نتيجته العديد من الأكراد من جنسيتهم السورية. وعلينا أن نعترف بأن النظر إلى الموضوع الكردي لم يخضع لرؤية شاملة. أو اعتبارهم مواطنين عاديين. على الأخص في مراحل التوتر الإقليمي، مثل مرحلة حلف بغداد، فتوزعهم على اكثر من دولة خلق وضعا جيوبولتيكيا حرجا. وباعتراف الأكراد أنفسهم فإن الحركة الكردية كانت مشتتة بين الوضعيات الدولية في المنطقة. بالطبع هناك جملة من المطالب الكردية في سورية، وهي تبدو طبيعية وحقيقية، وتمس الحالة الحياتية للمواطنيين، مثل مسألة الجنسية أو التحدث بلغتهم أو غيرها.. لكن من الناحية العملية علينا قراءة هذه المطالب من منظور الدولة، وما يمكن أن تحمله هذه المطالب من أمور أخرى. فمسألة المجردين تبدو تقنية بحتة، لكن السؤال ما الذي يضمن عدم دخول دفعات جديدة من الأكراد إلى سورية ليصبحوا مجردين؟
هذا السؤال يطرح من قبل أي مؤسسة رسمية في العالم وليس من قبل الدولة في سورية.. كما أن عمليات التقسيم القسري الذي خضعت له المنطقة عبر خط بروكسل (الحدود السورية - التركية) لم يكن بإرادة سورية أو تركية. فالدولة إذا مسؤولة لكنها أيضا تحتاج لحلول منطقية يمكن أن تقدمها الأبحاث أو جلسات النقاش وورشات العمل داخل سورية فقط... وليس عبر مواقع انترنيت في أوروبا وأمريكا تدعي أنها تمثل أكراد سورية.
الجزيرة: هل هناك نزعات انفصالية بين الأحزاب الكردية في سورية؟ وفق الخطاب السياسي لهذه التيارات الكردية يتحدث عن الانفصال. لكن هناك مأزق نظري بالنسبة للأحزاب الكردية. فهي تعتبر أن من حقها التعاطف مع الأكراد خارج سورية، وفي نفس الوقت تطلق برامج سياسية خاصة بسورية. ومن الممكن تفسير هذا الوضع وفق تفسير الأكراد بأنها أشبه بالتعاطف العربي من المشرق إلى المغرب. وهذا التفسير يحمل مأزقا بالنسبة للحلم القومي الكردي. لكن علينا عدم التحامل وانتظار حلول سريعة من قبل التيار الكردي، فهو كغيره من التيارات في المنطقة لديه مشاكله وأزماته.
الجزيرة: وماذا عن النصائح الأمريكية لسورية بشأن الأقليات؟ من الغريب أن تكون الإدارة الأمريكية حريصة على الأكراد في هذه اللحظة بالذات. إن الولايات المتحدة قامت سابقا بخذلان الأكراد، وغيرهم، بدءاً من مؤتمر فرساي (مؤتمر الصلح بعد الحرب العالمية الأولى) ومرورا بمعاهدة سيفر التي اعترفت بحق الأكراد وانتهاء بمعاهدة سان ريمون التي انكرت حق الأكراد بالاستقلال. ولكن النصائح الأمريكية اليوم تأتي على مساحة من المشاريع المرسومة للشرق الأوسط. وهي أيضا أوراق ضغط، والأحزاب الكردية السورية تعرف هذا الأمر وهي استنكرت في بياناتها الضغوط الأمريكية ضد سورية.
الجزيرة: كيف تقيمون علاقة حزب البعث الحاكم في سورية بالشأن الكردي؟
- لا أريد أن أعود إلى الأدبيات التاريخية، فالكثير يحاول أن يرسم خلافا عقائديا ما بين حزب البعث والأكراد، وهذا امر تاريخي علينا الاعتراف به، ولكن في نفس الوقت فإن حزب البعث اليوم يملك معطيات سياسية جديدة. وهو يتعامل معها بشكل جدي. كما أن الحزب ليس تشكيلا سياسيا عادياً، بل هو حزب دولة. وهذا الموضوع يحكم علاقته مع أي تشكيل سياسي. بالطبع ربما نجد بعض الحساسيات، لكنها تبقى شأنا يعود إلى التراث السياسي السوري، وليس موقفا سياسيا مما يجري الآن.
الجزيرة: لسورية علاقات تاريخية مع الأحزاب الكردية في العراق في ظل النظام العراقي السابق، كيف تقرأ واقع هذه العلاقات بعد سقوط النظام العراقي، لا سيما مع جلال الطالباني؟
- عندما تعاملت سورية مع الأحزاب الكردية في العراق لم تتعامل معها من منطق أقليات أو أحزاب ذات صفة قومية. فهي كانت تنظر إليها كتشكيلات معارضة. من هنا فإن ما حصل مؤخرا لا يرتبط بالضرورة بطبيعة التحالف السوري مع كافة القوى العراقية. فدمشق كانت لها علاقات مع أحزاب أخرى يطلق عليها البعض أحزاب شيعية، وهي تملك اليوم علاقات مع العشائر العربية في العراق. وليس المهم هنا هو ما تشكله هذه الأحزاب من طيف داخل التمازج السكاني في العراق. إنما المهم هو منطق دمشق في التعامل معها كتيارات وطنية تسعى لتكوين حالة متسقة مع باقي دول الجوار الجغرافي للعراق. في هذا الإطار فإن العلاقة مع كل من جلال الطالباني ومسعود البرزاني كانت تسير خارج ما يسمى اليوم الأقليات العرقية، أو الأحزاب التي تمثل (قوميات) داخل العراق).
والعلاقة مع جلال الطالباني بالذات شهدت توترا ليس من قبل دمشق، فمكاتب حزبه لم تغلق في العاصمة السورية، وهو ما أكده حزبه في بيان له قبل أشهر. مما يعني أن الحكومة السورية تريد إبقاء نفس العلاقة السابقة، وتسحبها باتجاه الإطار الصحيح الذي نشأت في ظله. أي أن هناك مصلحة عراقية وسورية وعربية، وأي خلاف سياسي آخر يمكن تسويته في ظل ما سيحدث مستقبلا في العراق.
الجزيرة: هل تتوقع أن يقوم حزب العمال الكردستاني بأحداث عنف لاستنفار الوضع العام في سورية؟
- ليس بالضرورة.. لكن من المهم ان ننظر اليوم إلى موقع هذا الحزب من الخارطة السياسية في سورية. فهو حاول أن يدخل ضمن إطار الأحزاب الكردية. وأجرى اتصالات مع كل من التحالف الديمقراطي الكردي والجبهة الكردية اللتين تضمان تسعة أحزاب. وكانت نقطة الخلاف حول استقلال هذا الحزب في قراره الداخلي، وهل يخضع لقيادة خارجية. بمعنى آخر كان السؤال يدور حول سورية هذا الحزب. من الناحية الرسمية ليس هناك دلائل على تورط الحزب بأعمال عنف. وفي نفس الوقت فإنه أيضا لم يقدم بيانات سياسية توضح موقفه. لكن بلا شك فإن تاريخ الحزب العسكري هو الذي يثير تساؤلات حول دوره. وبما أن معظم القوى الكردية في سورية ترفض العنف فإن قدرته يمكن أن تصبح محدودة للقيام بأي أعمال عنف. إلى أنه من المفيد أن تذكر وجود الحزب على ساحة العمل العسكري من العراق إلى تركيا.
الجزيرة: هل يمكن الربط بين ما تشهده العاصمة اللبنانية من تظاهرات ضد الوجود السوري وما جرى في مدينة القامشلي؟
- ليس بشكل مباشر، فأنا أشك بأن هناك تنسيقاً بين الأمرين. لكن المناخ العام ربما يوحي بالربط. باعتقادي أن الطرح الأمريكي وما جرى في العراق، إضافة لقانون (محاسبة سورية وتحرير لبنان)، يشكل أرضية التوتر. ويهمني هنا التركيز على أن جملة الأحزاب الكردية السورية لا تسعى لإحراج الحكومة السورية. فهي لديها مطالب، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا. لكن في النهاية فإن السياسة الأمريكية المسماة ب(السياسة الاستباقية) أشعلت المنطقة بالتوترات. وضمن هذا الإطار العريض يمكن الربط ما بين أحداث القامشلي ولبنان. لكن من التعسف الحديث عن تنسيق ما بين قوى سورية كردية وباقي التيارات المعارضة في لبنان.
الجزيرة: هل تعتقدون أن هناك انعكاسات للعلاقات السورية - التركية على الوضع الكردي في سورية؟
- الانعكاس هو في بعض الجوانب العامة والعريضة، وعلى الأخص مسألة الفدرالية في العراق. لكن الأكراد استفادوا من هذا الانفراج بشكل مباشر من خلال اللقاءات في الأعياد التي تتم على المعابر الحدودية. وسينعكس الإنفراج اقتصاديا على الأكراد. ومن وجهة نظر سياسية عامة فإن العلاقات السورية - الكردية أثرت سلبا على الموقف الكردي من سورية، عندما تم وضع سورية في خانة تركيا من حيث تعاملها مع الأكراد. لكن هذه النظرة المباشرة لا تنطبق مع الرؤية الاستراتيجية للوضع الكردي الذي سيستفيد من الانفراج لتحقيق العديد من مطالبه التي بقيت معلقة لفترات طويلة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved