ألقى الدكتور حبيب المطيري عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حجراً غاضباً في بحيرة التراث الراكدة منذ مئات السنين محاولاً بذلك تحريك كل ساكنة ممكنة حول ما يراه عيباً ونقصاً في مصادر التراث الأدبي.
ولم يستثن الدكتور أي من هذه المصادر المعروفة من هجومه العنيف حيث نعتها بالمشوهة والمغرضة ووصف مؤلفيها بالجامعين والمتزلفين ووصف البعض الآخر بالكذاب الأشر!
كل ذلك لم يثر حفيظة أحد من الحضور الذين لبوا دعوة نادي تبوك الأدبي ولم يروا أن ما قاله يتعدى رؤية واقعية يحسن تقبلها وانتظار نتائجها.
كان العنوان محفزاً والموضوع ذا شجون (تراثنا الأدبي بين خطيئتين)، والخطيئة الأولى هي تلقي مصادر التراث على علاتها دون الرجوع إلى حقيقة طرحها ومصداقية تناولها، أما الخطيئة الثانية فهي اعتبار هذه المصادر أعمالاً مقدسة (واعتبارها شاهداً حضارياً ضخماً على ثقافة هذه الأمة وخلودها وإرثها الأممي).
وحيث أشار الدكتور إلى انه يعد بحثاً مطولاً في هذا الجانب فقد رأيت أن أتداخل معه في نقاط لعل أهمها انه لم يستثن مصدراً واحداً من مصادر التراث إلا شكك في مصداقيته ونزاهة مؤلفه (أخلاقياً وعقدياً وسلوكياً) مثل البيان والتبين والأمالي والعقد الفريد والأغاني وغيرها. ولعل أول المآخذ على هذا البحث انه اعتمد أسلوب التشكيك والاتهامات ركيزة أولى من ركائزه ووضع الخطوط العريضة لبنائه على هذا الأساس، فهو يقول عن التراث انه لا يجوز إهداره من جهة كما لا يصح رفعه فوق قدره وجعله صورة للعرب الأوائل..
من قال إن أحداً حط من قدره؟ وكيف سيكون رفعه فوق قدره؟
ويصف الباحث الكريم الاهتمام بالتراث بأنه ظاهرة ضخمة تأتي لأغراض سيئة منها التنويه بشخصيات عرفت بالإلحاد والمذهبية أو لتبرير المجون والانحدار الأخلاقي أو التلذذ بالأوصاف الحسية.
إن إشكالية المآخذ الدينية والعقدية في مصادر التراث إشكالية قديمة تصدى لها الكثير من العلماء والمصلحين وتعاملوا معها بمنطق العقل السليم الذي يستطيع الانتقاء والتمييز حالها في ذلك حال أي منتج فكري يحمل على الاختلاف والتوافق، ولم يبين لنا الدكتور حبيب منهجه في هذا الجانب وأحسب انه سيلقي بنصف محتوى هذه المصادر في البحر إذا اعتمد منهج (الغربلة) منطلقاً لبحثه.
ثمة وقفة أخرى وددت لو أشار الدكتور لها وهي واقع الأمة الثقافي والإعلامي المعاصر وهل تعبر بالفعل عن واقعنا الفعلي؟ لو نظرنا إلى ما يقدم لنا في قنواتنا الإعلامية على انه (ثقافي) ماذا سنجد غير الغناء والرقص والتفاهات الفنية. وكيف نقارن بين منهج الدكتور حيال التراث وبين ما نتقبله قسراً من قنوات إعلامية لا تحكي واقعنا؟
إن كان ثمة جناية فهي ما نعيشه في هذا العصر، وإلا ماذا سيدون عن عصرنا في مجالات الفكر والثقافة والأدب والفن غير ما سبق الإشارة إليه؟إننا نتهم كتب التراث بعدم مصداقيتها في وصف الحياة الواقعية لعهد قريب من عصر النبوة ونهمل ما يتناوله مشهدنا الثقافي من تناول بعيد كل البعد عن واقعنا! إن من يشاهد إعلامنا اليوم ليعتقد أن بجانب كل بيت من بيوتنا مرقص! فهل هذا حقيقة واقعنا الاجتماعي؟
إننا ونحن نتهم التراث بتهم التزييف والمبالغة كمن يرجم الناس بالحجارة وبيته من زجاج.سيصبح واقعنا اليوم تراثاً بعد عدة عصور وسينطبق ما ندعيه عيباً في المصادر التراثية على ما سنتركه من معطيات مكتوبة أو مصورة أو مسموعة.
|