Sunday 21st March,200411497العددالأحد 30 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قراءة في كتاب (كلمات) قراءة في كتاب (كلمات)
القراءة النقدية بين المعارك والدراسات
د. إبراهيم بن عبدالله السماري *

يظن البعض ومنهم من المثقفين كثير أن القراءة النقدية أسهل من الكتابة ابتداء ويعللون ذلك بأن الهدم أسهل من البناء، ولكنني أؤكد من واقع تجربة أن هذه النظرة خاطئة وأن القراءة النقدية - في الغالب - أصعب من الكتابة، ولكن بشرط أن تكون القراءة النقدية قراءة جادة وهادفة الى بناء نص قريب الى الكمال الموضوعي والبناء الجمالي فيما يتعلق بالموضوع وبالأسلوب وبالتركيب اللفظي ومن هنا يسهل ملاحظة أنها عملية بناء وليست هدماً!
يضاف الى ذلك ان القراءة النقدية تتطلب مهارات مختلفة عن مهارات الكتابة ومختلفة عن مهارات القراءة العادية، ولا سيما التحليل والاستنتاج والتركيز الشديد في قراءة النص، والتدقيق الأشد في فهم مراميه واشكالاته اللغوية والبلاغية، ولذا فليس غريباً أن نجد أشخاصاً برعوا في القراءة النقدية، لكنهم عندما يكتبون كتابات غير نقدية يخبو بريق كتاباتهم، والعكس كذلك فإننا نجد كتاباً متميزين لكنهم عندما يكتبون نقداً تصيبك الدهشة من بدائية معالجتهم للموضوع، وعدم قدرتهم على ايصال المعلومة الصحيحة للقارئ، وهناك قليل جمعوا بين الحسنيين. وفي رأيي أن الكتاب كائن ذو طبيعة تفاعلية، بمعنى أنك تتفاعل معه فيؤثر فيك وتؤثر فيه، ولكن المؤكد أن تأثيره فيك أقوى من تأثيرك فيه، لأن تأثيرك لا يتعدى الجلد الظاهر من خلال التعليقات والتقميشات وتسجيل الشذرات يميناً ويساراً أعلى وأسفل الصفحات، أما تأثيره فيك فيتسرب الى أعماقك، وقد يملك القدرة على تغيير أفكارك.
ثم إن الناس في تفاعلهم مع الكتاب قد يقتصر على طلب التسلية فحسب، وربما البحث عن اكتساب معلومة ظاهرة، وقد يتطور الى فهم أغلب ما فيه او بعضه مما يجر الى محاولة التعمق في فهم الباقي أو تأمله، وقد لا يتيسر هذا الفهم بدون مساعدة الغير لأن هناك من يقرأ بشكل واسع، يقرأ كل شيء يستطيع الحصول عليه ولكنه لا يقرأ بشكل جيد، لأن مهارات القراءة لديه لا تحقق له جودة الفهم، فالقراءة كما يعرف بعض الغربيين (فن إمساك كل أنواع المعلومات على أفضل وجه ممكن) كما يمكنني القول: إن الكتابة مهارة مركبة من عدة مهارات أدواتها الظاهرة واحدة وهي: القلم والحبر والكلمات، والكلمات والألفاظ كما يقول عنها الجاحظ في كتابه الرائع (البيان والتبين) منثورة لكل أحد، وإنما يختلف الناس في صياغتها وتشكيلها، بالحروف لن تزيد على ثمانية وعشرين حرفاً ولكن صياغة وصناعة هذه الحروف تختلف من صائغ لآخر. وفي ضوء هذه المقدمة الضرورية تبدو أهمية الكتابات المتميزة بقراءة نقدية موضوعية وعادلة تملأ كفتي الميزان معاً، وأحسب أن كتاب (كلمات) - معارك أدبية ودراسات نقدية - للدكتور محمد بن عبدالله العوين الصادر عام 1424هـ واحداً من تلك الكتابات المتميزة، حيث أشهر المؤلف في كتابه سيف النقد بما يراه عادلاً وموضوعياً حتى على نفسه، فالمؤلف عبّر عن رأيه في كتابه بوضوح وقد أختلف معه الى درجة التضاد أحياناً في بعض ما عرضه من آراء وتصورات ونماذج ولكنني أرى أن مساحة الإبداء تتسع لأكثر من رأي ولأكثر من تصور.
كما أن الكتاب جمع بين الدراسات والمقالات النقدية والمعارك الأدبية من جهة وبين الكتابات التعبيرية والتأملية المجردة من جهة أخرى، فالقسم الأول من الكتاب شهد صولة معارك أثير فيها غبار النقع بالسلاح الأسود - أعني الحبر - حول اضطهاد المرأة والأدب الإسلامي وتكريم الرواد كما تضمن دراسات أدبية جريئة عن الكتب المؤسسة للثقافة الأدبية السعودية وعن الأدب الهزيل من السيرة الذاتية وعن موسوعة الأدب السعودي الذي وصفها بأنها شكل من أشكال استلاب المثقف السعودي وكانت مساحة القسم الثاني رحبة اتسعت لأربع وثلاثين مقالة جمعت بين النقد العام والتأمل في موضوعات متعددة كالشخصية العربية الهلامية والتطرف والنقد المتسلط وتخصيص يوم للغة العربية والتحرير الأدبي ورؤساء تحرير الصحف في عالمهم الخيالي وخواء خزينة الكتب واليقظة الفكرية وتجديد المناهج ووشوشة العين والدعوة الى الأحلام في حين خصص المؤلف القسم الثالث للحديث عن وزارة الثقافة من خلال تصوره ومن خلال واقعها ليأتي بعد ذلك القسم الرابع مترجماً لانطباعات المؤلف وذكرياته عن عدد من الشخصيات الأدبية كأحمد السباعي وابي عبدالرحمن بن عقيل وإبراهيم الذهبي وحمد الجاسر ويوسف إدريس ومحمود كحيل وعبدالله بن خميس وعبدالمقصود خوجة وعزيز ضياء وعبدالله القصيمي فيما هيمنت هموم الأمة على القسم الخامس من الكتاب مثيراً هناك عدداً من التساؤلات التي ظل لاهثاً خلف الاجابة عنها ومن أهمها:
لماذا نتأخر ويتقدم الآخرون؟ وأيها العربي المقتول من الوريد الى الوريد لماذا تكره أمريكا؟ وسقوط الشعارات وكيف يفهمنا الآخرون؟ واحتل الإعلام القسم السادس من الكتاب متحدثاً عن الإعلام المضاد وعن الإعلام الرسمي وعن كابريهات البث الفضائي وعن الرقيب الإعلامي، ليمارس المؤلف بعد ذلك نوعاً من النقد أو بتعبير أدق - كما أراه - تأمل الذات، مختتماً بذلك رحلة كلماته.
يلحظ في الكتاب أنه رغم كثرة الاسماء - لأشخاص ومواقع وغيرها - التي تضمنها فقد افتقد الفهارس التي تساعد القارئ على الوصول الى المعلومة التي يبحث عنها بيسر وسهولة، وفيما عدا ذلك فقد جمع الكتاب بين دفتيه موضوعات جميلة، ومعالجة أدبية راقية.
هذا وبالله التوفيق،،

ص.ب 30242/الرياض 11477
عنوان الكتاب:
كلمات - معارك أدبية ودراسات نقدية -
المؤلف: الدكتور محمد بن عبدالله العوين
البيانات الكمية: 378 صفحة 17 \ 24 سم
الناشر: المؤلف
الطبعة: الأولى، الرياض 1424هـ - 2003م


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved