قرأتُ مقالة الأستاذ يوسف العتيق في صفحة وراق الجزيرة بعنوان (تحقيق المخطوطات صورتنا المشرقة أمام الآخر) العدد (11490) الأحد 23-1-1425هـ. وهي مقالة جيدة، وتنبئ بصدق عن حرص الكاتب على تراث أمته المخطوط، وهو مما يحمد للكاتب. لكن الأستاذ يوسف أشار إلى أن على الجامعات تكليف طلاب الدراسات العليا راغبي شهادة الماجستير والدكتوراة بتحقيق مخطوطات. ولأنني أحد هؤلاء الطلاب في مرحلة الدكتوراة فإنني أحب أن ألفت نظر الأستاذ الكاتب إلى أن طالب الدراسات العليا له الحرية في اختيار الموضوع الذي يرغب في بحثه وفق ضوابط معينة، ولا يمنع ذلك من أن يستشير المشرف، وإذا لم يكن لديه الرغبة الصادقة في تحقيق مخطوط فلن ينجز مثل هذا العمل. ولعل مما يصرف الطلاب في هذه المرحلة عن التحقيق هو مشكلات التحقيق؛ حيث يحتاج إلى الجهد والوقت الكبيرين، وإن كانت وسائل التقنية الحديثة سهلت المسألة على الباحث كثيراً. فعلى الباحث أن يكون في منتهى الدقة عند عملية التحقيق، فمثلاً عليه أن يتأكد من نسبة المؤلف لصاحبه، وعليه أن يتأكد من أن النسخة التي بين يديه هي النسخة الأصلية، وأن يحاول تنقية هذه النسخة من الزيادات والحواشي التي يضيفها علماء آخرون على النسخة الأصلية، وهذه الزيادات مما يربك الباحث في التحقيق، أضف إلى ذلك عدم وضوح الخط في كثير من المخطوطات، وغيرها من مشكلات. ولكي لا يُضيع الباحث وقته وجهده من غير طائل، فإنه لا بد أن يعرف مدى أهمية المخطوط في مجاله العلمي، وهل هو أصل أم فرع؟ وهل أغنت مؤلفات أخرى عن هذا المخطوط في مادته وأنه مجرد تكرار لها؟ وقد يكون كثير من المخطوطات مشابهاً في مادته لمؤلفات محققة، لكن قد يقع الباحث على إضافات للمؤلف ومواقف مهمة تجعل من الضروري تحقيق مثل هذا المخطوط. فالمسألة تحتاج إلى إحاطة المحقق وعلمه بما كُتب في المجال العلمي الذي يرغب التحقيق فيه، فالباحث في هذا المجال لا بد أن يكون مؤهلاً من عدة جوانب. وهناك مسألة أرى أنها على جانب من الأهمية، وقد ظهرت عند بعض المحققين العرب، وهي ظهور شخصية المحقق العلمية في توضيح بعض القضايا التي تناولها المؤلف والتعليق عليها، شريطة أن تكون موجزة ومختصرة تبين مراد العالم ولا تجعله أكثر غموضاً. وأرى أن التعليقات والحواشي التي يكتبها العلماء في عصر العالم صاحب المخطوط لها أهمية خاصة، وقد تفتح آفاقاً أوسع للمعرفة، لذلك فهي تستحق التحقيق أيضاً، لكن في بحث آخر يكون عنوانه مثلاً التعليقات على مخطوط كذا، من باب تنظيم المعلومة في ذهن القارئ. وفي الختام، المخطوطات هي تراث الأمة وفكرها وثقافتها، لكن تحتاج إلى باحث مؤهل بعدة مؤهلات، ويأخذ بعدة اعتبارات سبق الإشارة إليها.
إبتسام عبدالله مطر البقمي
جامعة أم القرى |