{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} صدق الله العظيم- الحجر(9).. بهذه الضمانة الإلهية التي لاتعدلها ضمانة يعتز كل مسلم وتشرئب نفسه إلى المعالي بجد واجتهاد، فمنذ سطع نور الإسلام على أرض الجزيرة العربية، ومنذ حمل لواء الرسالة نبيّ هذه الأمة محمد عليه الصلاة والسلام بتكليف من الله سبحانه وتعالى، وحتى يومنا هذا، يُسخِّر الله وهو الحافظ العليم لهذا الدين العظيم رجالات حماة يحملون مشعل النبوة وهدايتها بعزماتهم، بدأها الصحابة رضوان الله عليهم ثم حملها من بعدهم تابعوهم وتابعو تابعيهم ومقلدوهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، رجالات تتناسل على أرض الجزيرة الطاهرة ناذرة أموالها وأرواحها وكل غالٍ في سبيل نصرة الدين وإعلاء كلمة الحق.
وعندما يحمل قائد هذه المملكة المباركة بفضل الله الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه صفة خادم الحرمين الشريفين يدرك العالم حرص هذا الملك المفدى على خدمة هذا الدين، في تعبير عملي على التفاني في خدمة الإسلام الذي هو خاتم الرسالات السماوية لصلاح البشر، ولعل هذا الركن هو الأساس الذي قامت عليه صروح المملكة منذ أسس بنيانها الباهي المغفور له صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وزرع في نسله الكريم هذه القيم السمحة فتوارثوها كابراً عن كابر وكانوا خير خلف من خير سلف وعم خيرهم أرجاء المملكة والعالم.
هاهي الإنجازات السعودية الكريمة تستمر في كل المحافل، وفي الحركة الدائمة للحياة على دروب السياسة والاجتماع والإنسان الخاص والعام، العربي والعالمي نهجاً ومنهجاً اختطته قياداتها سياسة ودستوراً وإماماً وهي تسير في نشاطاتها قدماً على هدى الشريعة لتجعل من المملكة العربية السعودية الحصن الحصين والركن المكين الذي يعبر بالأعمال لابالأقوال فحسب عن تكريس كل جهد لرفعة شأن الدين، سالكة كل سبيل يسهم في توضيح الصورة المثلى للإسلام وحين تشرئب اعناقنا نحو موعد الاحتفال بتسليم جائزة الملك فيصل العالمية لهذا العام فلأن ذلك حدث مشهود يترقبه العالم أجمع، وهو في ذات الوقت يوم من أيام هذه المملكة الباذخة، صنعت ملامحه مؤسسة الملك فيصل الخيرية التي تعمل على خدمة الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء، وأصبحت اليوم تحتل مكانة مرموقة بين الأوساط العلمية فهي مؤسسة بحجم العطاء، وإذ تتخذ من اسم الملك فيصل علامة دالة على مشروعيتها وشخصيتها المستقلة، فإنما يأتي ذلك تدعيماً وتأصيلاً للمبادئ التي دعا إليها الملك فيصل طيب الله ثراه وقد أعلنت هيئة جائزة الملك فيصل العالمية عن الفائزين لهذا العام في فروع الجائزة الخمسة (خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، والأدب العربي، والطب، والعلوم).
ولايجد الإنسان وصفاً أدق لأهداف هذه الجائزة ودلالاتها من كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود فهي كلمات مضيئات عبرت عن مفهوم ومضمون وأهداف وغايات تأصيل هذا التوجه من خلال جائزة الملك فيصل العالمية إذ قال: (لقد اهتم الإسلام منذ أول يوم بالعلم والفكر، وعمل المسلمون عبر تاريخهم على تشجيع العلماء، وأحاطوهم بكل تكريم وتبجيل، لذلك اتسمت الحضارة الإسلامية بالشمول، فكانت حضارة متكاملة، غذت الفكر البشري، وأعطته مزايا كثيرة، وحين تنطلق مؤسسة الملك فيصل الخيرية النبيلة من مهد العروبة ومنبع الإسلام فتأتي في مقدمة إنجازاتها جائزة الملك فيصل العالمية، إنما تنطلق من ركائز حضارة أقامها السلف الصالح على مبدأ شريعتنا السمحة).
وقد يكون التعبير والوصف الذي أطلقه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام على جائزة الملك فيصل العالمية يختصر كل تفسير ويعبر عن خصوصية هذه الجائزة إذ قال: (الفخر فيها إنها للإسلام فكل شيء للإسلام نفخر به أكثر من غيرنا مهما كان العمل صالحا لأي عمل آخر)، وفي توضيح للبعد المعنوي عظيم الأثر والدائم متجاوزاً بثقة وإيمان أحداث المرحلة والآنية قال سموه في معرض الرد على من اقترح تحديد جزء من هذه الجائزة لمحاربة الإرهاب في تعبير عن الثقة المطلقة بانتصار الحق قال الأمير سلطان: (لانريد للجائزة ان تخرج عن طريقها الصحيح، الغلو والإرهاب عاصفة ستزول بحول الله سبحانه وتعالى، أما الجائزة فهي ثابتة لاتزول ان شاء الله).
ويؤكد هذا التوجه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز مدير عام مؤسسة الملك فيصل الخيرية ورئيس هيئة الجائزة بقوله: (إن جائزة الملك فيصل العالمية تتميز بأنها ليست لها أهداف سياسية أو خلاف ذلك، وقد بنيت أساساً لنصرة الإسلام والمسلمين، ولدفع الثقافة العالمية، والدليل على ذلك نوعية الجنسيات، وحتى الأديان للأشخاص الذين فازوا بهذه الجائزة، كذلك نوعية القرارات التي تتخذها لجنة الجائزة، فالرجل الذي حملت الجائزة اسمه كانت نيته خالصة لخدمة القضايا الإنسانية كافة، وهذا ساعدَ على تبني الجائزةِ الكثيرَ مِنْ القيمِ، التي قد لاتتوافر لأية جائزة أخرى).
إن الجائزة التي حملت اسم المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز هي إلى جانب مدلولاتها الدينية والإنسانية والعالمية والثقافية هي أيضاً بعض عرفان لجلالة الملك فيصل رحمه الله ذلك الملك العظيم الذي نجح وبرع وأجاد في كل منصب تبوأه وفي كل عمل تولاه فإلى جانب تفوق نظرته الاستشرافية كقائد مظفر، هو أيضاً سياسي محنك وإداري ناجح ودبلوماسي المهمات الصعبة، وهو الذي أوصل السياسة السعودية إلى العالمية، وأرسى قواعد التنمية في المملكة، وكان جلالة الملك فيصل محل تقدير وإعجاب الساسة والمواطنين وطنياً وقومياً وعالمياً، ولاعجب ان تحمل جائزة جلالة الفيصل الصبغة العلمية فهو صاحب القول المأثرة (الجيوش تفتح المدن، والعلم يفتح الآفاق).
أما الجائزة فلها من الأهمية ما لصاحبها ففائدتها تتحقق في بعدها العالمي والإنساني والعلمي، وشمولها لكل فروع المعرفة، وتنوع شخصيات الفائزين، فقد فاز بها مسلمون وغير مسلمين، ورجال ونساء، مما يؤكد حياديتها، ولذا كان لابد ان نشير بكثير من التقدير والعرفان إلى جهود القائمين عليها في تطبيق نظامها المبنى على المنهجية العلمية النزيهة والحياد التام، وعدم التحيز لجهة ما، بل الاعتماد فقط على كفاءة العمل وتميزه، إضافة إلى الدراسة المتأنية والتحضير والترتيب والاختيار بدقة وإحكام، تكريساً للقيمة العلمية والمعنوية لهذه الجائزة التي هي باختصار خدمة للإسلام وتطبيق لمفاهيمه الراقية في حفز همم العاملين والمبدعين، وتمنح إلى كل من قام بدراسة علمية أصيلة وعميقة في موضوع من الموضوعات الخمسة للجائزة المعلنة نتجت عنها فائدة للإسلام والمسلمين وللبشرية جمعاء.
منذ ان تأسست مؤسسة الملك فيصل المانحة للجائزة عام 1976م وهي تسعى في آليات برامجها ومشاريعها لترسيخ القيم الإسلامية النبيلة، والانفتاح على النطاق الإنساني تدعيماً للعمل النبيل والجهد الجاد الذي يحث عليه الإسلام، وكانت فكرة الجائزة قد طرحت في اجتماع للجمعية العمومية لمؤسسة الملك فيصل الخيرية عقد في جمادى الأولى عام 1397ه وفي شهر شعبان من العام نفسه أعلن صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز قرار إنشاء جائزة عالمية باسم الملك فيصل رحمه الله وان أولى جوائزها ستمنح عام 1399ه- 1979م، ومن الجدير بالذكر ان عدد من فاز بجائزة الملك فيصل العالمية منذ الإعلان عن نشأتها وحتى الآن بلغ مائة وسبعة وأربعين عالماً وعالمة ينتمون إلى خمس وثلاثين دولة كان آخرهم فوز سيادة المشير عبدالرحمن سوار الذهب وهو من السودان الشقيق بجائزة خدمة الإسلام لعام 1424ه - 2004م.
أما الجوائز فإضافة للقيمة المعنوية التي لاتقدر بثمن فهي تتضمن براءة مكتوبة بالخط الديواني داخل غلاف من الجلد الفاخر تحمل اسم الفائز وملخصاً للإنجازات التي أهلته لنيل الجائزة إضافة إلى ميدالية ذهبية تزن مئتي غرام من عيار أربعة وعشرين قيراطاً وشيك بمبلغ مائتي ألف دولار وذلك لكل جنس من أجناس الجائزة الخمس.
وهكذا تتواصل مسيرة الخير والعطاء، ويثبت رجال المملكة أنهم الحماة لهذا الدين الأصيل دين العدل والرحمة، دين الخير وتكريم الإنسان، دين العدالة والمساواة، لينتشر نور الحقيقة فيضيء العالم أجمع من منطلق فهم واعٍ وحصيف للمفهوم الصحيح لرسالة الإسلام، من أرض الإسلام، وبرعاية دؤوبة وجادة ومخلصة من مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، التي مافتئت عطاءاتهم المتتابعة ومكرماتهم المتلاحقة تزرع هذا السبيل الكريم لخير الدين والناس، سائلين المولى العلي القدير ان يجزل لهم العطاء ويكتب خير مكرماتهم في عالي صحائفهم إنه سميع بصير.
عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
الرياض - فائض 014803452
|