أكاد أجزم أن من أهم وأعظم مشكلاتنا المجتمعية، أن من بيننا من لا يحسن أداء الحقوق. بل ظن كثير من الناس أن مقتضيات (التقوى) أن يقوم المرء بحقوق الله عليه سبحانه وتعالى من غير أن يولي حقوق الآخرين ما يستحقونه من أداء. في معرض التفكير في مثل هذه الأبعاد المهمة جداً في بناء المجتمع المعاصر، طالعت إصداراً جديداً للدكتور عبد العزيز بن فوزان الفوزان عنوانه: فقه التعامل مع الناس. يقول المؤلف في مقدمة كتابه: (وإنك لتعجب من أناس يحرصون على أداء الشعائر التعبدية، ويلتزمون بالمظاهر الشرعية، ويجتهدون في نوافل العبادات من صلاة وصيام وتلاوة وذكر وغيرها، ولكنهم لا يولون جانب المعاملة للخلق اهتماماً يذكر، ولا يرون لحسن الخلق مكانة تعتبر، فتجد عند بعضهم.. من الحقد والحسد، والعجب والكبر، والظلم والبخس، والبغضاء والشحناء، والتهاجر والتدابر، والكذب والتدليس، والغش والمخادعة، وإخلاف الوعود، ونقض العهود، والقطيعة والعقوق، ومطل الحقوق، وأكل أموال الناس بالباطل، وخيانة الأمانة، والولوغ في أعراض الناس، والسعي بالنميمة والإفساد، وتتبع العورات، والتدخل فيما لا يعني، ما يتنافى وكمال الإيمان، ويتناقض مع ما هم عليه من مظاهر الصلاح والديانة).
ولعل فيما أورده المؤلف من سمات وصفات، مفاسد عظيمة لمن كانت هذه حاله. بل تتعدى المفسدة إطارها الفردي الشخصي،لتشمل مساحات مجتمعية واسعة. وهنا يأتي المحظور، أن يكون المرء صالحاً تقياً في علاقته مع خالقه جل وعلا، أمر حسن جميل محمود ومرغوب، لكنه شأن خاص، بين الإنسان وربه. أما أن يصبح الإنسان (مفتاحاً) للخير مع الآخرين، (مغلاقا) للشر معهم, فربما كانت تلك الحال هي الحال المنقذة للمجتمعات المعاصرة مما هي فيه من ويلات ونكبات. المجتمع الإنساني، كيان كبير متشكل ومتكون - بالضرورة - من مجموعة من الناس. وإذا اختلت العلاقة بين هؤلاء الناس وفق ما ذكره المؤلف، فإن حال المجتمع - دون شك - إلى مزيد مشكلات. ومع النقص الحاد في الدراسات المجتمعية في هذا الإطار، فقد يدعونا التفاؤل الكبير لأن نعتقد أن تلك الأوصاف لا تصدق على كثيرين من أبناء مجتمعنا الكبير، إلا أن وجودها لدى فئة ما، أو حتى مجرد الإحساس بإمكانية وجودها، نذير بخطر كبير على واقع ومستقبل مكتسباتنا الوطنية الكبرى. المؤسسات والأفراد مدعوون اليوم أكثر من أي زمن مضى إلى توجيه الدراسات والبحوث الإنسانية نحو فحص واقع مجتمعنا في ضوء الإشارات السالفة، واستجلاء الموقف بوضوح كبير، ووضع الاستراتيجيات والسياسات، من أجل حماية واقع المجتمع، وبناء مستقبل واثق واعد بكثير من مركبات العمل والعطاء، والتفاعل الإنساني القائم على الاحترام والتقدير المتبادلين بين كل عناصر المجتمع وفئاته، ليبقى كياننا الكبير الذي نحبه ونعزه ونجله (السعودية) كياناً شامخاً كما هو في كل حين. ربما أُتينا اليوم من أن من بيننا من يغفل عن أن للآخرين حقوقاً عليه يجب أن يؤديها بأمانة وحسن رعاية، فضاعت كثير من حقوق الآخرين، وهان بعض الناس - عندنا - على بعضهم، فهان الناس كلهم على الآخرين، وتكالب علينا المريدون للاختراق من ثغرة الفرقة والخلاف. وسواء كان الآخر من بيننا أو من البعيدين عنا، فإن مجتمعنا - إذا نحن أردنا - حقيق بأن يضرب أروع الأمثلة في بناء علاقات إنسانية وطنية ودولية نموذجية.
* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|