الإنسان السوي الذي لم تفسد فطرته، ولم تنطو على الخبث سريرته، هو الذي يكون مفتاحاً للخير، مغلاقاً للشر؛ لأن الفطرة البشرية السليمة فطرة خير فطر الله الناس عليها، فهي لا ترضى بالشر، ولا تدعو إليه، إلا حينما يصيبها الخلل والانحراف، فلن تجد إنساناً سوي الفطرة، سليم الصدر، يدعو إلى شر، أو يحارب خيراً أبداً؛ لأن فطرته السليمة لا تسمح بذلك (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه). فالفطرة هنا -بهذا الإطلاق- هي الفطرة السليمة.وإذا كان الإسلام هو الدين الذي أكمل الله به الدين الذي شرعه لعباده، ودعا إليه جميع الأنبياء والمرسلين، وإذا كان المسلم المؤمن بهذا الدين الخاتم جديراً بأن يكون صاحب فطرة سليمة، فإن هذه الصفة (مفتاح للخير، مغلاق للشر) ستكون متحققة عنده في جميع جوانب شخصيته بلا شك، وهو بهذا من أبعد الناس عن عمل الشر، أو تشجيعه، أو فتح أبوابه.
(المسلم مَن سلم المسلمون من لسانه ويده)، (المسلم كالنحلة؛ لا تأكل إلاَّ طيباً، ولا تضع إلاَّ طيباً). هكذا تكون حالة الإنسان المسلم في جميع المواقف التي يتعرض لها في هذه الحياة، ميل دائم إلى الخير وعمله، والدعوة إليه وحث الناس عليه، وإغلاق شديد للشر وعمله وأهله ووسائله القريبة والبعيدة. وهنا يكون المسلم حذراً في حياته من إطلاق القول على عواهنه، ومن التسرع في الحكم على الأشياء قبل التثبت منها، ومن ادعاء ما لا يصح من الأقوال والأعمال، كما يكون قوياً رابط الجأش أمام بريق الدعوات التي يطلقها الباطل وأهله بأشكال وألوان وأساليب مختلفة قائمة على الخداع والمخاتلة والادعاء والتضليل الذي أصبح ينطلي على كثير من الناس بسبب تطور الوسائل التي تنقله إليهم، وبسبب تمرس أهل الباطل الطويل، وخبرتهم القوية التي كوَّنوها عبر قرون عديدة في نشر باطلهم ملوناً بألوان ينخدع بها كثير من الناس.
فرق كبير بين دعوة إلى تغيير المناهج -مثلاً- بهدف إضعاف هيمنة القيم والمثل المنبثقة من الدين على نفوس الناشئة، حتى يمكن لأبناء المسلمين أن يندرجوا تحت مظلة العولمة الغربية الأمريكية، وبين دعوة إلى تطوير المناهج بهدف زيادة نجاحها في بناء الشخصية الإسلامية الملتزمة الواعية، وعلاج بعض جوانب الضعف التي لا يخلو منها عمل بشري مهما بلغ من الإتقان.وفرق كبير بين دعوة إلى مشاركة المرأة المسلمة في مسيرة التنمية بهدف إخراجها من بيتها، وإضعاف هيمنة القيم والمثل المنبثقة من الدين على نفسها، حتى يمكن لدعاة (التحلل) أن يروها تغرق في أوحال الحياة المختلطة التي لا ضوابط لها من خلق أو حياء، وبين دعوة إلى مشاركة المرأة المسلمة في مسيرة التنمية وفق تصور واضح لحاجة المجتمع والأمة إلى ذلك، ووفق ضوابط الشرع الإسلامي، ووفق احتياجات المرأة أو الاسرة التي تنتمي إليها.
فرق كبير بين امرأة تضغط عليها الحاجة، ومصاعب الحياة، وكفالة الأيتام، ورعاية الأطفال لأب غير مؤهل لرعايتهم، فتعمل في مجالات معروفة توفر لها حاجتها، وتحفظ لها كرامتها، وبين امرأة تسعى إلى العمل وتدعو إليه، وترفع عقيرتها بالدعوة إلى حقوق المرأة؛ لتظهر داعيةً للتحرر، ولترى صورتها (المزينة) في جريدة، أو على شاشة، أو مع مجموعة من الرجال والنساء في حفل أو مهرجان أو مؤتمر.
الفرق كبير بين هذه الحالات، والمقياس الذي يجب أن يحترمه الجميع هو مقياس شرع الله تعالى، مهما كانت رغبات النفوس. بحسب الإنسان حضارةً ورقياً أن يكون مفتاحاً للخير، مغلاقاً للشر.
إشارة
سطوة الظالم درب للمآسي
ينتهي فيها إلى ذلٍّ وعار |
|