* الرياض - عبدالله العاصم:
يلتقي بعد غد الثلاثاء عدد من المتخصصين في التخطيط والتطوير العمراني لمناقشة الرؤية المستقبلية لتخطيط الضواحي الجديدة بمدينة الرياض. وسيناقش المجتمعون في فعاليات ورشة عمل (الرؤية المستقبلية لتخطيط الضواحي الجديدة بمدينة الرياض)، التي تنظمها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، إيجاد ضاحيتين جديدتين في شمال وشرق الرياض، وهو ما تضمنه المخطط الهيكلي لمدينة الرياض بهدف تطبيق أنماط تخطيطية متميزة في تلك الضواحي، وتوصيل الخدمات اللازمة فيها لتحقيق الاستقلالية الذاتية عن خدمات المدينة.
ويشارك في ورشة العمل التي تستمر يوماً واحداً متخصصون من داخل وخارج المملكة. وتتضمن الورشة ثلاث أوراق عمل؛ حيث يتناول المهندس محمد الدواس من الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في الورقة الأولى الرؤية المستقبلية لتخطيط الضواحي الجديدة و(الفرص والتحديات). وفي الورقة الثانية يتحدث البروفسور الدكتور فهاد طولان عميد كلية التخطيط في كلية بورتلاند. فيما يتحدث في الورقة الثالثة المهندس كيستل سيرفونتين مدير عام التخطيط في مدينة بريتوريا. وسيتخلل ورشة العمل حلقات مفتوحة للنقاش.وحصلت (الجزيرة) على ملخص للمواصفات والقواعد الإرشادية لتخطيط الأحياء السكنية في العاصمة الرياض، وهي إحدى وثائق المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض. وفيما يلي سرد تفصيلي لهذا الملخص:
تواجه الأحياء السكنية في مدينة الرياض تحديات كثيرة في تخطيطها الحضري. فعلى مستوى استعمالات الأراضي، تعاني كثير من الأحياء السكنية من غياب الهوية، وعدم مشاركة السكان في تطوير أحيائهم، ورتابة التخطيط العمراني للأحياء، وتباعد المسافات بين المساكن وأماكن العمل. وعلى مستوى الحركة، تبرز مشاكل السلامة، وانتشار محفزات السرعة العالية، وغياب مرافق المشاة الآمنة، وتوغل الحركة العابرة داخل الأحياء السكنية. وعلى مستوى الخدمات، هناك نقص في المدارس، والمنشآت الطبية، والمناطق المفتوحة، كما يمثل التوازن بين الخصوصية والتفاعل الاجتماعي بين سكان الحي تحدياً آخر.
لتجاوز هذه التحديات أُعدَّت مجموعة من القواعد الإرشادية والمواصفات الضرورية لتحديد أولويات عمليات تطوير الأحياء السكنية. من هذه القواعد المهمة: اعتبار متطلبات المكان وخصائصه الطبيعية، والتناغم مع استعمالات الأراضي المجاورة، وتحديد الحجم الأنسب للأحياء السكنية، وإعادة هيكلة الأحياء بما يخدم متطلبات السلامة والأمن، وإيجاد حلول عملية لتحقيق متطلبات الخصوصية والتفاعل الاجتماعي الإيجابي.
هذه القواعد تأتي كعنصر تفصيلي للمخططات الهيكلية المحلية، وهي بدورها أحد عناصر المخطط الهيكلي لمدينة الرياض، الذي تضمنه المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض.
ملاءمة التضاريس
ينبغي احترام المجاري الطبيعية للمياه، وأنواع التربة، والأوضاع الجيولوجية، ومناطق الحياة الفطرية، واعتبار النواحي الطبوغرافية في تخطيط الحي وتصميم المباني واستعمالات الأراضي. كما تجب المحافظة على المقومات الطبيعية الرئيسة، ودمجها في شبكة المناطق المفتوحة.
ملاءمة المناخ
لا يعتبر التخطيط العمراني القائم متطلبات مناخ البيئة الصحراوية، ومن الضروري توظيف تخطيط الحي وتصميم مبانيه للحد من الآثار السلبية للحرارة والعواصف الرملية. ومن الإجراءات المفيدة زيادة الظلال عن طريق رفع الكثافة العمرانية، وتبني رفع نسبة المبنى إلى المفتوح، وتجميع المباني لتقليل تعرضها لأشعة الشمس، وتكوين أعلى نسبة ظل على مسطحات المباني والفراغات المفتوحة، ومحاولة توجيه ما يمكن من الشوارع شمالاً وجنوباً، لتوفير الظلال في الشوارع معظم فترات النهار، وحماية حركة المشاة، وزيادة التشجير.
هذا فضلاً عن التوسع في استخدام المواد الحديثة العازلة للحرارة والضوء، باستخدام المواد الحديثة أو القديمة كالطين وفق طرق حديثة، واعتبار متطلبات التهوية في المباني كالملاقف والبروج الهوائية.
اعتبار الاستعمالات المجاورة
يجب الأخذ بالاعتبار استعمالات الأراضي المجاورة، والتجاوب معها كجزء من العملية التخطيطية، مع ضرورة الفصل بين استعمالات الأراضي التي لا تتلاءم مع بعضها؛ كإقامة المناطق العازلة بين الأحياء السكنية والمناطق الصناعية، وتدعيم الترابط التكاملي بين الاستعمالات المتجانسة أو المتقاربة، أو التي يخدم بعضها بعضاً، كالربط بين المناطق المفتوحة المحلية والأحياء السكنية.
حجم الحي
حدَّدت المخططات السابقة للرياض أحجام الأحياء بمساحات متساوية (2- 2كم). ودلت كثير من الدراسات والتطبيقات العالمية أن هذا الحجم كبير جداً، وأن معدل المساحة المسطحة الملائمة هو 1كم2 فقط، التي تحوي وحدات سكنية تتراوح بين 500 و650 وحدة سكنية، وعدد سكان يتراوح بين 2000 و4000 نسمة.
الخصوصية
تتوفر الخصوصية في الأحياء السكنية من خلال القدرة على التحكم في الاتصال مع الآخرين، وتنسيق درجة الانغلاق والانفتاح بين المسكن والحي. وتتأثر الخصوصية بدرجة التجانس والتقارب والعلاقات الاجتماعية، فكلما زادت درجة التجانس قلَّت الحاجة للخصوصية، والعكس بالعكس، فكلما قلَّ مستوى التجانس ازداد الشعور بالغربة، وتولد إحساس أقوى بالحاجة إلى الخصوصية.
ويعاني سكان الأحياء الحالية من أثر ضوابط البناء المطبقة حالياً على خصوصية الأحياء السكنية؛ حيث إن انفتاح الأحياء وشوارعها وخدماتها المفتوحة جعلت السكان يشعرون بالغربة والفرقة داخل شوارعهم. وعلى الرغم من شيوع نمط الفلل السكنية التي تمتاز بكثرة الواجهات، إلا أن نمط توزيعها يقلل الاستفادة منها، فتظل معظم الشبابيك والستائر مغلقة إلى درجة ضارة صحياً.
ومما يسهم في زيادة الخصوصية داخل الأحياء السكنية، وبالتالي تشجيع السكان على الإفادة من الفراغ المحيط بهم وتكوين العلاقات الاجتماعية الإيجابية، إعادة تنظيم المسافات بين المنازل، وتوجيه الفتحات فيها.
ويطبق هذا التوجه -أيضاً- على قطع الأراضي وتوزيعها، بحيث تتخالف بشكل أفضل في التوجيه، وكذلك فتحات الأبواب، انطلاقاً من خصوصية المداخل وتخالفها في الأحياء الإسلامية القديمة.
إن توفير الخصوصية في المسكن يتيح لساكنيه الإفادة من الأفنية المحيطة بالمباني والفراغات المفتوحة، خصوصاً أن الأجواء في مدينة الرياض تكون مواتية للاستفادة منها ما لا يقل عن ثمانية أشهر في السنة في أوقات مختلفة من الليل والنهار.
كما تحتاج الفراغات الخارجية المحيطة بالمساكن (الأفنية) إلى تنسيق يمنع تجاورها، ويتيح للسكان الإفادة منها.
ومن المهم أيضاً إضفاء بعض الخصوصية على الشارع السكني؛ لإعطاء الفرصة لتمدد نشاط سكان الحي، خصوصاً النساء والأطفال خارج المسكن، وذلك من خلال إيجاد مواقع وممرات شبه خاصة في الشارع السكني لاستخدام النساء والأطفال، ترتبط مباشرة بمداخل المنازل، وملاعب الأطفال الصغار، وتكون أشبه بفراغ عام لمجموعة من المباني السكنية المحيطة به.
الخدمات العامة
تُعتبر الخدمات من أهم العناصر المؤثرة في رفع المستوى الحضري للحي السكني، وإحدى أهم الوسائل المتاحة والفعالة في توجيه نشاط سكان الحي والسيطرة على إيقاع الحياة فيه.
ويتَّسم توزيع الخدمات العامة في الأحياء القائمة بالتركز حول مراكز الحركة الكثيفة، ولا تتسم هذه الخدمات بالتدرج في قدراتها، وفي توزيعها، مما يحرم كثيراً من سكان الحي من الإفادة المباشرة واليومية منها. ومن جهة أخرى يجعل هذه الخدمات المركزة مركز استقطاب من خارج الحي، وهذا بالتالي يؤدي إلى تغير استعمالات الأراضي حول تجمع الخدمات، ويجعلها أشبه بأماكن الاستعمالات المختلطة، وأعصاب الأنشطة، ما يزيد من معاناة السكان المجاورين لها.
للإفادة بشكل أمثل من الخدمات لا بد من تصميم هذه الخدمات من حيث قدراتها الاستيعابية، وعدد المستفيدين منها وفق تدرجات مختلفة، ليكون منها ما يفيد مجموعات قليلة من السكان، ويكون توزيعها في متناول المساكن المحيطة بها، ضمن مسافات يمكن قطعها سيراً على الأقدام.
أما الخدمات العامة على مستوى الحي، التي يحتاجها السكان على فترات متباعدة، كالجوامع، والسوبر ماركت، فتحتاج أن تكون في مناطق مركزية متوسطة بين تجمعات مساكن الحي، ومعزولة عن الجوار السكني المحيط بها.
ويفضل أن تكون الخدمات الملائمة للحي مرنة، ومتفاوتة، ومتكاملة مع المساكن، ومبنية على رغبات السكان ونوعياتهم، ومتناسبة مع الموقع، وتكون أكثر كثافة لذوي الدخل المنخفض.
كما يجب استغلال الفرص الكفيلة بتحقيق تفاعل إيجابي بين الاستعمالات المختلفة، ومثال ذلك تجنب الفصل الشامل بين الاستعمالات التجارية والسكنية، حتى لا تهجر المناطق التجارية خارج أوقات العمل، وبالتالي لا بد من مزج بعض الكثافات السكانية المتوسطة إلى العالية ضمن الاستعمالات التجارية، عن طريق إقامة الشوارع الموجهة لاستخدام المشاة، وتشجيع الأنواع التجارية المكملة، وتجنب الشوارع المزدحمة التي تقلل من حركة المشاة.
وينبغي أن تطور المناطق المفتوحة للحي بحيث ترتبط بالشبكة الموجودة على نطاق المدينة.
تأتي قواعد تصميم الأحياء السكنية ضمن المنظومة الشاملة للخطط الاستراتيجية الشاملة لمدينة الرياض، حيث ينبغي أن تتكامل مع بعضها، بدءاً من أنماط تخطيط الأراضي، إلى أساليب تطويرها، وتوفير ما تحتاجه من خدمات، وذلك وفقاً للضوابط العمرانية وأنظمة البناء المعتمدة، ومن ضمنها القواعد الإرشادية للتصميم العمراني.
|