* القاهرة - مكتب الجزيرة - أجرت الحوار - د. أماني الطويل:
تشكل مسألة دارفور أحد أهم التحديات المطروحة على الحكومة السودانية داخليا كما تشكل الضغوط الأمريكية للإصلاح العربي عنواناً آخر للضغوط على السودان.
كيف يواجه السودان هذه الضغوط وما هي أطروحته للقفز على هذه التحديات ؟ هذا ما يجيب عليه د. مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية السوداني في حوار خاص للجزيرة حيث أكد أن مؤتمر دارفور السياسي المزمع عقده يمكن أن يحسم هذه القضية الشائكة و أضاف عثمان أن السودان وليس العراق هو المرشح أن يكون عنوان الديموقراطية في العالم العربي مشيرا إلى انه قد حادث كولن باول في هذه الإمكانية.
كما قال إن التشاور العربي مهم في مسألة الإصلاح مشيرا إلى قيام السودان والمملكة العربية السعودية بالتوقيع على إنشاء أول لجنة للتشاور السياسي بين البلدين... وهنا نص الحوار :
* ماذا عن تطورات أحداث دارفور وهل فشلت الحكومة السودانية في حسم هذه المشكلة؟
- حرصت الحكومة السودانية من البداية على معالجة مشكلة دارفور في إطار داخلي وفي إطار سياسي وظلت عاما كاملا تتفاوض مع المتمردين للوصول إلى حل سياسي عبر زعماء القبائل ولكن ما حدث أن المتمردين ظنوا أن حرص الحكومة على الحل السياسي هو ضعف وقاموا برفع علم لواحدة من المحافظات أعلنوا دولة مستقلة وسيطروا على جبل مرة وبدؤوا بالسيطرة على المناطق التي كانت تحت سيطرة الحكومة هناك وهذا ما أدى إلى شك المواطنين هناك في قدرة الحكومة على فرض سيطرتها وعندما كانت الحكومة قاب قوسين أو أدنى من استعادة هذه المناطق حصل الاتفاق وتم التوقيع عليه وقبلت الحكومة الجلوس مع القبائل المتمردة وسموا أنفسهم جيش تحرير السودان لكن خلال 45 يوما بدؤوا في إنشاء ميليشيات وعندما بدأت الحكومة السودانية في الدخول في تفاصيل الاتفاق ظهرت نوايا قيادات التمرد فقد جاءوا ببندين الأول التدويل حيث قالوا لابد من طرف ثالث دولي يشارك في المفاوضات والبند الثاني حق تقرير المصير، والحكومة رفضت البندين وصدر بيان يقول ان المحادثات فشلت نتيجة لإصرار حركة التمرد على إضافة بنود يستحيل اضافتها، بعدها انتظرنا عشرة أيام جاءنا الإنجليز وغيرهم من الاتحاد الأوروبي قلنا لهم نريد من الحركة إعلان التزامها بالاتفاق إلا أنها لم تعلن ذلك واستمرت في استقطاب المواطنين فكان لابد من عمل عسكري محسوب بالنسبة للحكومة واستعادت الحكومة كل المدن التي كانت تستولي عليها حركة التمرد وأكدنا انه لابد من احداث سلام وتنمية وبالتالي فان الرئيس البشير اصدر بيانا أعلن فيه انتهاء العمليات العسكرية ونادى بمؤتمر سياسي لمعالجة قضية دارفور والمؤتمر مفتوح لكل أبناء دارفور بما فيهم قيادات التمرد وتم عمل لجنة تحضيرية لهذا المؤتمر شارك فيها 100 فرد معظمهم من أبناء دارفور وممثلون للأحزاب السياسية السودانية وهم بدؤوا في الترتيبات الآن للمؤتمر.
*ومتى يعقد هذا المؤتمر؟
- التحديد النهائي متروك للجنة التحضيرية ومن المتوقع أن يكون في النصف الأخير من مارس.
*وهل وافقت فرنسا وإنجلترا على عدم التدويل ؟
- لا علاقة بزيارة وزير الخارجية الفرنسي للسودان بهذه القضية وكل ما طلبناه من فرنسا أن تقدم مساعدات إنسانية لدارفور في مجال اللاجئين ورحبت فرنسا بذلك.
* ما هو المشروع العربي للإصلاح. ولماذا غاب حتى تم طرح المشروع الأمريكي ؟
- عملية الإصلاح في العالم العربي عملية مستمرة ولها تاريخها الطويل منذ القرن التاسع عشر غير أن ما يبقى دائما أن نظام الحكم الصادق يبلور عملية الإصلاح من خلال اطروحات الرأي العام وفي سبيل الوصول الأمثل لبلورة هذه العملية لابد من التشاور والبحث الدائم وفى هذا السياق وأثناء وجودي في المملكة العربية السعودية مؤخرا قمنا بتوقيع أول لجنة مشتركة للتشاور السياسي بين البلدين وهي خطوة مهمة وغير مسبوقة وتأتي في إطار العمل من اجل الإصلاح السياسي, ونحن في السودان بدأنا بالفعل عملية إصلاح تعليمي منذ فترة في إطار الإنقاذ التي لم تأت بفكر من خارج السودان وقد طرحت عملية الإصلاح على متخصصين سودانيين في مجال المناهج وهناك تطوير مستمر في أوضاع النساء فالمرأة في السودان وصلت إلى درجة مستشارة الرئيس للشئون القانونية.
* وماذا عن تداول السلطة؟
- نحن بدأنا عملية مشاركة الآخرين في منظومة الحكم منذ عام 1998 والآن لدينا 4 أحزاب ولدينا 19صحيفة معظمها تنتمي للمعارضة وما أريد تأكيده أن الإصلاح السياسي يعني الوفاق السياسي أيضا وكل رؤساء الأحزاب السياسية في وفاق معنا ما عدا الميرغني والصادق المهدي عاد إلى الخرطوم بعد 1998 مبارك المهدى عاد إلى الخرطوم والرئيس النميري واحمد الميرغني عادوا أيضا وكل هؤلاء قاموا بتأسيس أحزاب مثل النميري الذي أسس حزب التحالف واحمد الميرغني والصادق المهدي عمل المؤتمر الأول وأعاد انتخاب مكتبه ومنذ أن عاد الصادق المهدي لم يشتك من التضييق عليه .
* لكن مبادرته السياسية لا تلقى تفاعلا إيجابيا من الحكومة؟
- الحكومة ليست ملزمة بان تقبل أي مبادرات لكنها تعطيه الفرصة كاملة لإقناع الرأي العام وما أود قوله نحن مازلنا نتطلع للوضع النموذجي بعد أن وصلنا إلى مرحلة نستطيع فيها أن نقول فعلا ان عملية الإصلاح مستمرة.
* ما تفسيرك إذاً للمشروع الأمريكي إذا كانت هناك مشروعات إصلاح سياسي في الدول العربية؟
- هناك مشروعات إصلاح سياسي في الدول العربية بدرجات متفاوتة وهذا التفاوت يعود إلى تباين ظروف كل دولة فهناك الاقتصاديات المختلفة حيث نجحت دول في المضي في طريق التوعية الاقتصادية ورفع درجة الوعي ومحو الأمية وتوجد دول اقتصادياتها فقيرة كما أن أنظمة الحكم لدينا مختلفة وبالتالي درجات الإصلاح السياسي مختلفة ولابد من الإشارة هنا إلى إننا إذا كنا نتحدث عن مجتمع عربي متكامل لابد من أن نتحدث عن عملية إصلاح تمثل الحد الأدنى الذي نتحرك منه ولدينا الرؤية الشاملة لعملية الإصلاح وما تتجه إليه ونرى أن الجامعة العربية مازالت هي الأساس الذي يمكن أن يقود العمل الجماعي المشترك سواء كان في مجال الإصلاح السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي وفي تقديرنا أننا لابد أن نستمر أولا في إطار قطري ثانيا أن نسرع الخطى في طرح مشروع الإصلاح القومي من خلال الجامعة العربية الذي يقوم على إصلاح دستوري من خلال تأسيس اتحاد البرلمان العربي وإصلاح اقتصادي من خلال تطوير المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومن خلال طرح جديد لإنشاء صندوق اقتصادي لمعالجة أوضاع اقتصاديات الدول الفقيرة في العالم العربي لان أوروبا لم تستطع أن تنهض إلا بعد أن تدخلت الدول الغنية وعالجت اقتصاديات الدول الفقيرة مثلما حدث في إسبانيا والبرتغال وغيرها.
* هل رفض المشروع الأمريكي متعلق بخشية الهيمنة الأمريكية؟
- لا لكن لخطأ التصور الأمريكي فهم يريدون تجاوز الحكومات لكي يصلوا إلى المجتمع المدني ولكنهم يخطئون إذا كانوا يظنون أن السياسة الأمريكية مقبولة في الشارع العربي وهو نفس الخطأ الذي وقعت فيه الإدارة الأمريكية في العراق حيث ظنت أن بإزالة نظام صدام حسين وبرفعها شعارات الحرية والديمقراطية أن الشعب العراقي سيستقبلها بالورود والترحيب فإذا بها تقع فيما يمكن أن نطلق عليه المستنقع العراقي ولذا نرفض مبدأ أن يفرض شيء ونحن كدول عربية أول من استعرض معنا هذا المشروع بطريقة رسمية هو خافير سولانا في لقائه بناء أثناء اجتماعات وزراء الخارجية العرب مؤخرا وقد تم ذلك بطريقة فردية هذا في الوقت الذي طرحت فيه الإدارة الأمريكية المشروع وطرحت جدولا زمنيا وقالت إنها ستناقشه مع الدول الأوروبية وستطرحه على مجموعة الثماني وستبدأ في تطبيقه وكأنه ليس لنا شأن بما يحدث ولذا كان من الطبيعي أن تحدث ردة الفعل العربية هذه من حيث المبدأ أما عن مكونات المشروع فهو يفترض أن الشرق الأوسط يمكن أن يكون من المغرب إلى أفغانستان وسموه الشرق الأوسط الجديد وهذا التجمع يختلف في عرقيته أولا ويختلف في ثقافاته.
* التجربة الأمريكية قائمة على التنوع وربما ترى أمريكا أن فكرة التنوع قابلة للنجاح بالشروط الديمقراطية وهذا ما تريد تطبيقه؟
- الفكرة هنا هي انه عندما يقوم أحد بتنفيذ شيء على واقع عليه بحث ودراسة هذا الواقع وليس معنى أن المجتمع الأمريكي متنوع أن تكون المجتمعات العربية متنوعة كما أن هناك قضية الشارع العربي وهي قضية فلسطين لم تحل بعد ونحن نرى أن السلام والتنمية مرتبطان مع بعضهما وكذلك السلام والديمقراطية فتطبيق الديمقراطية من غير معالجة المشكلات الأساسية لن يؤدي لشيء وخلاصة القول انه لدينا مشروع إصلاح موجود في إطاره القطري ويتشكل الآن في إطاره الإقليمي وربما الطرح الأمريكي يسارع به.
* هل تعتقد أن النظام الرسمي العربي يستطيع القيام بمهمة الإصلاح وهو يعاني من عيوبه الراهنة؟
- أي نظام لا يجد مقاربة بين التحديات الداخلية والتحديات الخارجية سيعجز عن الاستمرار وبما أن العنصر الخارجي اصبح الآن له تأثيراته العميقة فلابد من قراءة هذه التأثيرات حتى نستطيع بناء وحدتنا الوطنية لمجابهة التحديات الخارجية وفي تقديري أن النظام العربي لافكاك له من السعي في عملية الإصلاح ولكن الضغط لإجراء عملية الإصلاح سيؤدي إلى فوضى ولذا يجب على كل دولة أن تراعي ظروفها، فعملية الإصلاح في السودان توفرت لها أرضية يمكن أن تتسارع فيها خطى الإصلاح اكثر من أي دولة عربية وأفريقية مجاورة للسودان لأن البيئة السودانية متعددة ومتنوعة وبالتالي هذا التنوع يتيح الفرصة لذلك لان الديمقراطية قائمة على التعددية وقد قلت لكولن باول إن مشروع الديموقراطية يمكن تطبيقه في السودان افضل من العراق لان مدخلكم للعراق يختلف عن مدخلكم للسودان فقد دخلتم العراق بالقوة العسكرية وهي ليست المدخل الصحيح لتطبيق الديمقراطية ولكن مدخلكم للسودان مدخل سلمي لإيقاف الحرب وإحلال السلام كما يوجد بالسودان مشروع جاهز وسيكون اكثر قابلية للأطروحة. الخلاصة أن المشروع الأمريكي سكت عن قضايا رئيسية في العالم العربي منها القضية الفلسطينية وأسلحة الدمار الشامل والتنمية الاقتصادية بينما طرح القواعد العسكرية التي اشك في قبولها في وقت يشدد فيه على قضايا حقوق الإنسان ويتجاهل انتهاك إسرائيل لهذه الحقوق.
|