حينما اختار المطرب عبدالمجيد عبدالله الوقت المناسب بعد ان تريث لفترة محددة للدخول إلى سوق الكاسيت في الألبوم (ليالينا) فانه كان يريد ان يحقق أولاً تواصلاً مدروساً بعناية لكي يعيد لجمهوره الكبير في الوطن العربي صورة واضحة لتطور أسلوبه والنقلة الجديدة في أغانيه التي زادت من أواصر العلاقة الحميمة التي شيدها بموهبته مع الغالبية من محبي أغانيه، وثانياً والأهم انه ترك فسحة من الزمن للألبوم السابق (أعز الناس) الذي كان بمثابة أسلوب ومنهج بدأ يتبناه ليعززه بليالينا.
بالرغم من مرور أسابيع معدودة من طرح الألبوم (ليالينا) فان زحف المحبين عليه بدا واضحاً من خلال رصد سوق الكاسيت في عدد من الدول العربية إضافة إلى الطلبات المتزايدة على أغانيه في المحطات الإذاعية والتلفزيونية مما يؤكد هذه الجماهيرية الساحقة للمطرب عبدالمجيد عبدالله التي هي رصيده الفني في بورصة الشارع العربي.
كما لا يخفي الفنان عبدالمجيد عبدالله عن محبته لهذا الجمهور فهو يرى ان هناك توافقاً بينه ومحبيه على العطاء وتقديم أغنية عربية تليق بالفنان وتاريخه مما يدفعه التفكير ملياً قبل الشروع بتنفيذ أغانيه خاصة ان الألبوم المذكور قد تأخر كثيراً لهذه الأسباب التي يراها موجبة كاستحقاق عليه لجمهوره.
وقد يكون الفنان عبدالمجيد عبدالله محقاً في كل تفاصيل الألبوم ليالينا بعد ان استطاع ان يوظف مخزون تجربته العميقة في استئناف أغانيه بنحو من التنوع وزيادة الرغبة في تشويق المستمع الذي يتتبع خطواته بأنفاس متلهفة لأن عبدالمجيد بات اليوم على أعتاب الرسوخ في مقام الأغنية العربية من حيث عذوبة الصوت ورقته وقدرته على إحياء مزيج من الانسجام بين أصالة أغانيه وحداثتها بما يتلاءم ورغبة المستمع على ألا تفقد عناصر متعة الصوت وتنوع الألحان ونفاذ الشعر إلى مداخل الوجدان.
لذلك فان سوق الكاسيت لم يتفاجأ بالألبوم ليالينا فتسارعت الطلبات ليكون ضمن المكتبة الصوتية للمقتنيات الغنائية الجديدة حيث تشير الدلائل الأولية سواء في الإمارات أو الكويت أو السعودية فبيروت والقاهرة ان هناك رغبة حقيقية لاكتشاف أسرار أغاني الألبوم لياليتنا الذي استطاع ان يتجاوز في مبيعاته ما كان متوقعاً خاصة ان السوق تزدحم بالجديد من الألبومات لأغلب المطربين العرب.
ثم ان اختيار المطرب عبدالمجيد عبدالله بداية أيام السنة الجديدة موعداً لصدور الألبوم ليالينا فيه نوع من التحدي كان يرغب من خلاله جس نبض محبيه فيما كانت السوق غير شاغرة بكل ألوان الطيف الغنائي العربي وإزاء هذه الزحمة فانه أطل بكل عنفوانه لما يمتلك من مقومات فنية وصوتية وتقنية وأسماء لها ثقلها سواء في الألحان أو الشعر.
وعودة سريعة لأغاني الألبوم ليالينا الذي يتضمن خمس عشرة أغنية جاءت باختيار دقيق بدأ من أغنية (وينك) كلمات عبيد الدبيس وألحان صلاح الهملان حيث الإيقاع السريع والمتوازن بين تنوع الكلمات وبناء هرمونية اللحن، (قله) كلمات تركي وألحان طارق محمد وهي من الروعة في التوافق بين الشعر الغارق بالرومانسية واللحن القادر ان يبحر بهذه اللغة والصوت نحو الوله في الحب، (عطيني وعد) كلمات فارس العياضي وألحان نواف عبدالله وهي لا تختلف عن سابقتها في تحقيق موسيقى عالية الأداء والانسجام بين مكوناتها لا سيما ان مؤلفها كان من العناية بأن تكون أغنيته تتصل روحياً بأداء عبدالمجيد.
ومن الأغاني الجميلة في الألبوم أغنية (علي أنا) كلمات علي الفضلي وألحان صلاح الهملان وهي مجموعة صور تترابط بتداعيات جميلة يخترقها لحن يوظف قدرة عبدالمجيد في المحاكاة فهو لا يتلاعب بالكلمات بل يقدم رؤية شاملة ومتوازنة بين المعنى والمضمون، كذلك أغنية (ليالينا) كلمات شاعر وألحان منذر فهي أصدق صورة لجديد عبدالمجيد عبدالله في منحاه الجديد في الألبوم فيقدم أغنية غارقة في الرومانسية وبصوت أكثر عذوبة تتأصل مع جذوره.
أغنية (مكانك هنا) كلمات سعود بن عبدالله وألحان ممدوح سيف ولذا فعبدالمجيد عبدالله لا يمكن ان يتوافق مع السهل من الشعر بل يرتفع به إلى مقومات أغنية تنبض بالحياة لحناً وغناء، فيما نجد أغنية (من سألني) كلمات عبدالرحمن الحوتان وألحان منذر فيها اكتمال ونضوج لوحدات الأغنية الكلمات واللحن والغناء لا سيما ان عبدالمجيد عبدالله استطاع ان يمنح ذائقة جديدة في استغلال تنوع اللحن والأفعال التي تتحرك على مساحة قصة أبطال الأغنية.
أغنية (المرة الأخيرة) كلمات عبدالرحمن الحوتان وألحان صالح الشهري تنغمت بصوت عبدالمجيد فيقدم برفقة الثنائي أغنية فيها الكثير من ملامح تميزه بين الأصوات العربية فيما كانت أغنية (فراغ العاطفة) كلمات تركي وألحان طارق محمد نكتشف كيفية استغلال الكورال لصالح الأغنية من خلال الانسجام بين صوت عبدالمجيد القادر على زيادة العذوبة وتطور ملامح أغنية تتربع فوق قلوب محبيه. أما أغنية (لو تعرف المحبة) كلمات سعود عبدالله وألحان ممدوح سيف فإنها تمتعت بكل المواصفات التي تمنح الذائقة بعداً جمالياً تصورياً لأحداث أغنية مبتكرة.
الأغنيات الخمس الباقية من الألبوم ليالينا، (ولا تسوى) كلمات وألحان طارق محمد، (كل يوم) كلمات صقر الكعبي وألحان الفيصل، (صدقني) كلمات عبدالله الأسمري وألحان صلاح الهملان، (حبيبي يا طيب) كلمات هيفاء خالد وألحان صلاح الهملان، (أحباب) كلمات علي الفضلي وألحان صالح الشهر، تشكل الطفرة الحقيقية التي تجمع قواسم مشتركة في الإيحاء غير المباشر بأن عبدالمجيد عبدالله قد أخذ بزمام التحول نحو صياغة متفردة في التطريب عبر اللون الخليجي بحيث لا يذهب المتتبع لمراحل الفنان عبدالمجيد بعيداً ليكتشف عن قرب انه لا يستحق تجربته بمجرد مرور الوقت بل يتعكز عليها ثم ينطلق إلى أفق آخر بلون آخر فيه من الدهشة والتلوين وهو ما يرغم الجميع إلى الإنصات إليه بعد ان يسحرنا بجاذبيته فتخرج الأغنيات تباعاً مشدودة بلحن أخاذ وشعر مترابط وصوت ممزوج بحنين وسحر وأصالة.
|