وهذا تعبير رباني:{هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} (187) سورة البقرة.
إن الله - عز وجل - عبَّر بلفظ اللباس دون غيره، وجعل الرجل لباساً للمرأة، وجعل المرأة لباساً للرجل ؛ لأن للباس هنا معان عظيمة، قد لا نحيط بها، ولكن نحاول بالتأمل أن نوضح شيئاً منها:
أولاً:اللباس هو الشيء الذي يتصل بك اتصالاً جسدياً مباشراً دون حواجز.
يقول النابغة:
إذا ما الضجيع ثنى جيدَها
تداعت فكانت عليه لباساً
ولذلك، فإن المفترض في العلاقة الزوجية أن تذيب الحواجز النفسية والرسمية بين الزوجين، حتى كأنهما جسد واحد، وروح واحدة، ولهذا لما سئل الحجاج ذات مرة - على ما هو مشهور من بطشه وعسفه وتسلطه - عن معاشرته للنساء!
قال: والله ما تعدوننا إلا شياطين! كيف لو رأيتموني وأنا أقبل رجل إحداهن!
ثانياً: لفظ اللباس للرجل والمرأة؛ فيه معنى التكافؤ النفسي، والبدني.
فللمرأة دورها، وللرجل دوره ،والمرأة ليست مجرد موضع لقضاء الوطر، أو الحاجة الخاصة؛ بل هي شخصية إنسانية، مكافئة للرجل ، ولهذا كان كل منهما لباساً للآخر في الحياة كلها.
ثالثاً: اللباس زينة.
يقول الله - سبحانه وتعالى-:{خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (31) سورة الأعراف.
فالمرأة زينة للرجل، والرجل زينة لها.
عن عكرمة عن ابن عباس قال: إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنْطفَ -أي استخلص- جَمِيعَ حَقِّي عَلَيْهَا؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} . انظر تفسير الطبري (1-625).
*.
انظر المستدرك (41)، وصحيح الجامع (2056).
والمرأة تتزين بزوجها، فهي تتحدث عنه عند رفيقاتها، وصديقاتها، وربما تشبعت بما ليس فيه؛ فتقول: إنه أعطاها كذا، وإنه يحبها، و يؤثرها، ولو لم يكن الأمر كذلك! وكل ذلك من التزين للزوج.
رابعاً: اللباس ستر.
يقول الله - سبحانه وتعالى-:{لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا} (26) سورة الأعراف.
فيستر نفسه، وأهله بالحلال عن الحرام ، ويستر نفسه وأهله، فلا يبوح بأسرار الحياة الزوجية؛ سواء كانت أسرار المعاشرة الجسدية، أو أسرار العلاقة، أو كانت المشكلات التي تقع بين الزوجين، ولا يجوز أن تكون مضغة تُلاك على ألسنة الأقارب، والأباعد.
خامساً: اللباس طهارة.
ولهذا قال ربنا - سبحانه وتعالى-:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (4) سورة المدثر.
وفي ذلك نفي للاستقذار الذي يستشعره بعض مرضى النفوس من الزواج، أو العلاقة الزوجية، أو أنهم يستعيبون الحديث الشرعي المفصل عنها.
إن الله - سبحانه وتعالى- جعل الزواج من سنة الأنبياء:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (38) سورة الرعد.
* مباثة في قوله:(أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ! وَأَتْقَاكُمْ لَهُ! لَكنّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) انظر صحيح البخاري (5063)، وصحيح مسلم (1401).
وعلى هذا فاللباس طهارة وعفة لا يستحى منها.
سادساً: اللباس غنى واستغناء، ولهذا قال الله - سبحانه وتعالى-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} .
سابعاً: اللباس نعيم ولذة، ولذا جعله الله - سبحانه وتعالى- من نعيم أهل الجنة:{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (33) سورة فاطر، {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} (31) سورة الكهف، فالزوجية لباس لذة ونعيم، نعيم للبدن، ونعيم للروح؛ يحدث التوازن، ويزيل التوتر، والمحرومون من ذلك يخيم عليهم - غالباً- نوع من الكآبة، والحزن والقلق وعدم الاستقرار النفسي.
ثامناً: اللباس وقاية وحماية ودفء كما قال الله - عز وجل-:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} (81) سورة النحل.
وقال - سبحانه وتعالى-:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ...} (80) سورة الأنبياء.
* مِنَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ؛ فَاسْتَدْفَأَ بي فَضَمَمْتُهُ إِلَي وَلَمْ أَغْتَسِلْ) انظر جامع الترمذي (123).
تاسعاً: اللباس هدوء وسكينة.
ولهذا قال - سبحانه وتعالى-:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} (10) سورة النبأ.
فالمرء يجد في الزواج سكينته، وطمأنينته ، ولهذا بشَّر النبي - صلى الله عليه وسلم- السيدة خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا وصب.
* فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ، أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِي أَتَتْكَ؛ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّى، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ في الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ). انظر صحيح البخاري (3820)، وصحيح مسلم (2432).
قال أهل العلم: إنما بشرها بذلك؛ لأن بيتها في الدنيا كان كذلك.
ولم يكن ككثير من البيوت، ترتفع فيه الأصوات ويكثر فيه الصراخ، والخلافات، وتعصف به المشكلات الزوجية.
عاشراً: اللباس حفظ لعورة الإنسان، وجسده.
فالمرأة تحفظ الرجل في نفسها، وماله، وولده.
وهو يحفظها في نفسه، وفي سرها، وفي الوفاء بعدها.
كما قال الله - عز وجل - :{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ} (34) سورة النساء.
الحادي عشر: اللباس طِيب، كما قال الله - عز وجل- :{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} (26) سورة النور.
الثاني عشر: اللباس مباشرة، فهو يلي بدنك وجلدك.
وكأن كلاً من الزوجين يستغني بالآخر عن اللباس حال الاتصال الجسدي، أو يجعله شعاراً يباشر بدنه في الحياة كلها، وليس فقط في لحظة الجنس العابرة.
الثالث عشر: اللباس نظافة وغسل، يتجدد به الثوب، وتتجدد به الحياة، كلما طرأ عليها شيء من الكدر، أو الاتساخ، أو البِلى والتقادم.
وهكذا تحتاج الحياة الزوجية إلى التجديد؛ كما يجدد الإنسان ملابسه يوماً بعد يوم.
الرابع عشر: اللباس خصوصية، فلا أحد يلبس ثيابك، وأنت لا تلبس ثياب الآخرين ، قال الله - سبحانه وتعالى-:{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (6) سورة المؤمنون.
الخامس عشر: اللباس تجدد وتنوع من منا لا يملك إلا ثوباً واحداً!
ولهذا قال لنا ربنا - سبحانه وتعالى-:{نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (223) سورة البقرة.
* عن حدود استمتاع الرجل بزوجته، وأباح صور الاستمتاع الشرعي كلها، لم يستثن من ذلك إلا أمرين:
الأول: الإتيان في الدبر.
* :(اصْنَعُوا كُلَّ شَيء إِلاَّ النِّكَاحَ) انظر صحيح مسلم (302).
يعني: حال الحيض.
العلاقة الزوجية بلغة راقية:
ذكر الله - عز وجل- الجماع في القرآن الكريم، في عشرات المواضع، لكن اللغة التي وردت فيها هذه الكلمة لغة سامية راقية، فمن ذلك:
1- المس: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} (237) سورة البقرة فعبر بالمس عن الجماع.
2- اللمس، أو الملامسة: كما قال الله - سبحانه وتعالى-:{وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} (6) سورة المائدة. وفي قراءة سبعية: (أو لَمَسْتُم النساء)، والراجح أن المقصود بذلك هو الجماع أيضاً.
3- الإفضاء:{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (21) سورة النساء.
4- المباشرة: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ} (187) سورة البقرة.
5- الدخول: {نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} (23) سورة النساء. والدخول: الجماع، على القول الراجح.
6- الغشيان: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} (189) سورة الأعراف.
7- الرفث: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} (187) سورة البقرة.
8- القربان: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} (222) سورة البقرة.
9- الإتيان: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} (222) سورة البقرة.
10- الطمثْ: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} (56) سورة الرحمن.
*: ( قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ - أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ - كُلُّهُنَّ يَأْتِى بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ) انظر صحيح البخاري (3424)، وصحيح مسلم (1654).
* فَقَالَتْ: (كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ ! فَقَالَ: (أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ ! حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك) انظر صحيح البخاري (2639) وصحيح مسلم (1433).
*(... وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه!ِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟!!
قَال:(أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟! فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ). انظر صحيح مسلم (1006).
وهذا يدل على إمكانية تناول هذه الموضوعات:
تعليماً، وتربية، ودرساً دون خدش للحياء، فالجهل بها؛ قد يكون من أسباب الغواية، والفساد، والانحراف.
|