أتفق مع الأخ ابراهيم بن عبدالرحمن التركي على أن (المشكلة هي الافتقار الى بدائل أخرى بعدما امتلأت (الفضائيات) ببرامج الصُّراخ السياسي والتعليب الثقافي والمدارة الاجتماعية)، هذا الوضع الذي أوصلنا الى ما وصفته يا أخ ابراهيم ب(دوار يعيشه السائح في هذا الزمن العجيب ليترحم على زمننا حين كان حجب جملة أو كتاب كافياً ليطمئن الأهل على تحصين أولادهم). أما الآن فالحال كما ذكرت: المنع لا يكفي.
إننا بأمس الحاجة الى بدائل يتوفر فيها الصدق، والعفة، والأمانة، بحاجة الى بدائل تنمي في المشاهد حب الله والثقة فيه والاعتماد عليه وخشيته، بحاجة الى بدائل تمقت الرذيلة وتحمي الأمن وتحرس العقل وتسمو بالحب.. إننا أيها الأخ الكريم نحتاج الى مضادات حيوية ضد مرض الوهن والكسل والميوعة، والى هرمونات موثوقة ضد مرض الغش والخيانة والحسد والأنانية. فهل في قنواتنا العربية من ينهض بهذه المسؤولية ويرتفع الى أفقها لا أن يظل اعلامنا صدى لما يطرح في الشرق والغرب ويكون من أبرز أطروحاته: الرقص وتحريك مشاعر الحب المريض، وعرض أفلام العنف وعنتريات التمرد على القيم وبطولات الصراخ والتجريح للزعماء والاعلام والنظم.. و.. و.. مما تحفل به قنوات اعلامية كثيرة!!
وفي ظل تلك الحال لا يكفي (كما تقول المنع) كيف نمنع أو نحجب تلك القنوات والوسائل وكيف نتقي ضررها؟!!. والعالم اليوم وليس بلادنا فقط قرية واحدة والوسائل الحديثة جميعها تغزو كل بيت: القنوات الفضائية والانترنت والصحف والمجلات وغيرها.
وأنا أتحدث من تجربة وليس من فراغ وطرح لنظريات؛ فالأبناء والبنات في البيوت لن يحميهم بعد الله تعالى إلا التربية منذ نعومة الأظفار على تقوى الله والخوف منه وحده.. تلك التربية التي جعلت ابنتي -ولله الحمد- وهي في الخامسة من عمرها تقريبا تقوم لتغلق الجهاز لأنها رأت فيه -ونحن بجانبها- مشهداً يخدش الفضيلة ويدعو للرذيلة وقالت وهي تغلق الجهاز (هذا حرام). إنني أجزم -يا أخي الكريم- ان هذا هو صمام الأمان فإذا نشأ في نفس الشاب والشابة خوف الله فلن يستطيع أحد -بإذن الله- أن يؤثر عليهم أو يدعوهم الى انحراف أو تطرف أو ضلال وبدون ذلك سنظل نهباً لتيارات شتى تتقاذف فلذات أكبادنا ونبقى مكتوفي الأيدي، نعلق اللوم على غيرنا، ونُغري أنفسنا بأنه لا حول لنا ولا قوة لأن ما نراه (شيء فرض نفسه).ماذا يا أخي الكريم لو أن أباً أو ابناً حفظ القرآن الكريم أو شيئا منه، وأقنع نفسه بأن ما عند الله خير وأبقى وأنه مسؤول عن سمعه وبصره، وأن الأخلاق والقيم أغلى ما في الحياة.. هل سيظل ذانك الفردان من مجتمعنا نهباً للأيدي الآثمة تمتد عبر القنوات لتسرق العفاف والغيرة والصدق وكل معاني الخير.. أجيب بثقة واطمئنان -ومن واقع تجربة- لا وألف لا.
ولكن المصيبة أن في واقعنا تناقضا عجيبا في بعض البيوت، فتلك البرامج العابثة (يتابعها الكبار باهتمام أكبر ليمارسوا من ثم دورهم السلطوي الأبوي) ليمنعوا أبناءهم مما يشاهدون.. كما أشرت الى ذلك أيها الكاتب العزيز!!.
من هو الابن ومن هي الابنة التي ستستجيب لأمر من يحذرها من شيء ليتابعه هو، وتنفذ أمر من يحذر من برنامج قد أَدمن مشاهدته، ومن حق الابن والابنة أن يطالبا بالقدوة؛ فليكن الأب والأم قدوة لأبنائهم في الابتعاد عما يسيء الى الدين والوطن وما يخل بالأمن والمروءة لينشأ الجيل صالحاً قوياً لا تهزه الرياح ولا تغريه الشهوات، ولا يجد الحاقدون اليه سبيلاً.وللأخ إبراهيم التركي ولجريدة الجزيرة مني كل شكر وتقدير.
عبدالعزيز بن صالح العسكر
ص.ب 190/الدلم 11992 |