امتدح الله الذين يؤمنون بالغيب في ثالث آية من سورة البقرة دلالة على رضاه سبحانه وتعالى عنهم, وبالإيمان بالغيب يمتاز المؤمن عن غيره من الماديين الذين لا يؤمنون الا بما هو مشاهد ومحسوس.
ولو استقرأنا الأحداث عبر التاريخ المنقول بالتواتر الذي لا يتطرق إليه الشك عن الحوادث التي تتطلب إيماناً بالغيب لوجد الإنسان نفسه مبهوراً أما تفسير تلك الاحداث الا ان ايمانه بالغيب يجعله يسلم بان تلك الاحداث من الخوارق التي لا يمكن ان يدرك كنهها وماهيتها.وقد ظهرت عبارات في وقتنا الحاضر تدور مدلولاتها حول هذه المعجزات التي نحن بصدد الحديث عنها منها مثلاً ما يسمى ب(الملكات الروحية) وهي تشمل كل ما له علاقة بظواهر الادراك بغير الحواس المألوفة.
ومنها (الطاقة الروحية) التي يزعمون أن بمقدورها التأثير في الاشياء الصلبة وتحريكها وهي معروفة علمياً ب(الكنتيكا) ومنها (التخاطر) وهو اتصال العقل بالعقل عبر المسافات البعيدة.
ومنها ما يعرف ب(الرؤية الثانية) وهي القدرة على توصيف معالم المناطق البعيدة التي لم تزر من قبل.
ومنها (الاستشفاف) أو (الجلاء البصري) وهو قدرة بعض البشر على رؤية الاشياء البعيدة أو التي لا ترى بالعين المجردة.
وكل هذه الاشياء تحتاج إلى دراسة متخصصة عن قرب ليمكن الحكم عليها من الجانب الشرعي ومدى حقيقة هذه الاشياء ومصداقيتها.
اما ما هو معروف لدى المسلمين فمن ذلك ما تشتهر لدى العرب بما يسمى الفراسة والقيافة والحدس والقدرة على اقتفاء الأثر وما يسمى الكرامة عند فقهاء المسلمين من ذلك قصة الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه حينما قطع خطبته وهو على المنبر في المدينة المنورة ليوجه قائد الجيش الإسلامي (سارية) الذي يبعد عنه ما يقرب من الألف كيلومتر بقولته المشهورة (ياسارية الجبل) (يا سارية الجبل) أي اسلك الجبل للنجاة من العدو وسمعه سارية وسلك الجبل وروى ذلك لمن في المدينة بعدما رجع سالماً.
ومن ذلك ايضاً تسبيح الحصى في يد النبي صلى الله عليه وسلم وحنين الجذع الذي كان يخطب عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما بُني له المنبر.
ومن الفراسة مقولة أبي بكر الصديق رضى الله عنه (يدخل علي احدكم وفي عينيه الزنا) بمعنى أن لديه فراسة في كشف هذا الأمر من مجرد النظر إلى عيني صاحبه.
ومن القيافة ما حصل به اثبات النسب في زمن النبي صلي الله عليه وسلم وذلك بشأن أقدام الولد مع اقدام والده وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحادثة مؤيداً صدق القائف.
ومن القدرة على اقتفاء الأثر ما يعرف لدينا ب(المري) وهو قصاص الأثر الذي لديه قدرة عجيبة على تمييز صاحب الأثر واخراجه من بين الناس وان كثروا.
وقد ذكرت لي قصة عجيبة في هذا الصدد مفادها ان امرأة مرت من عند رجال فيهم (قصاص أثر) ثم عادت بعد زمن ليس بالبعيد راجعة من نفس الطريق فقال (القصاص) انها ذهبت بكراً ورجعت ثيباً, فتقصوا خبرها فوجدوا كلام القصاص صحيحاً مما يدعو للغرابة والانبهار.
فسبحان من ميز بعض الناس بهذه المواهب والقدرات العجيبة.
|