الإسلام دين عادل عالمي شامل، ويكفينا في امتداح الإسلام مسايرته للفطرة البشرية التي تجعل تشريعاته الرائعة قابلة للتنفيذ عبر الأزمنة والأمكنة بكل مفارقاتها، وإن الثورات والزوابع التي حاولت وتحاول تسلق جدران الحصن المنيع لتطيح به أو ببعضه، أو تهدف إلى تمييع ثوابته ما هي إلا محاولات يائسة بائسة خائبة وكفاها.
ومما أحاطه ديننا الشامخ بسياج من التوثيقات المنيعة تنظيم الحياة الاجتماعية والتي منها عقد الزوجية الذي ترتقي التفصيلات الدقيقة لحقوقه وواجباته ثم تلف رقابها فتنحني عند التنفيذ البشري الواقعي الآني لتقبل رأس الرجل لمجرد أنه ذكر. وتطأ المرأة لمجرد أنها أنثى، وخذ أيها القارئ الفطن ثلة من تلك الممارسات ولتضع في ذهنك أن الأمر على سبيل الإجمال وليس التفصيل، مع ملاحظة اتساع قاعدة التفصيل في مجتمعاتنا.
تعمد التنشئة الاجتماعية إلى ايقاد الموروثات الجاهلية في نفوس الأبناء الذكور مما يدفعهم إلى الاعتزاز والاغترار بالذكورة، وأنها منزلة تشريف تخولهم لاستصغار الأنثى واحتقارها، وأنها خلقت فقط للعمل في خدمة الرجل والمنزل، وأن من حق الطفل على صغره أن يرعب نساء الأسرة وخصوصاً أخواته، كيف لا وهو السيد المطاع رافع لواء الحق، لا يخطِئ ولا يخطَأ، نعم إنه رجل ولا حيف فيما يفعل.
ينطلق الرجل من إطاراته المرجعية فتجتز أعواد المنابر بالخطب التي تتكئ على (واجبات المرأة) في خطاب أحادي سلبي مثير نشتم منه روائح الاتهام مفاده (يجب على المرأة) ولعلنا لو أجرينا إحصائية لنستكشف عدد ما وجه إلى المرأة من مخاطبات عبر التقنيات الحديثة وغيرها لوجدناه يفوق بكثير ما وجه إلى الرجل، ثم إن المرأة عندما تستفسر عن أمور تعيشها قد يصدق على بعضها وصف حالكات يقال لها بكل بساطة (اصبري يا أختي) وبالمقابل فقد يعرض الرجل أمراً يسأل عنه فلا يقال اصبر ولاحظوا أن جله صبر مستطاع ولماذا يصبر؟؟
وفي إمكانه الحذف والإضافة والتبديل في نظرة قاصرة لم تنفذ إلى مخرجات القضية وإفرازاتها، ولو نظرت لتأنيت في إصدار واستصدار الأحكام.
يمضي فارس الظلام عند إرادة الزواج بأخرى إلى تأطير الموضوع بالتكتم الكامل سبحان الله أو ليس هذا هو شرع الله؟ إن مرادات هؤلاء الرجال غريبة عجيبة تدور في أفلاك إرضاء غرائزهم بغير اهتمام بفقه الأولويات ومن فرط اللامبالاة أن يختار لزواجه أوقاتاً تكون فيها الزوجة الأولى في أشد الحاجة إلى وجوده ومساندته وليته يتوقف عند هذا التصرف، كلا بل إن الأمر يتجاوز الخطوط الحمراء عند من يعي فهمها فيصم الزوجة الأولى بالمرض والتقصير وينتحل أعذاراً كاذبة تسوغ قبوله لدى من تقدم إليهم ليوافقوا على تزويجه، إن هذا الوضع المقيت ينتج أكواماً من الأبناء يعيشون تعاركاً وتنازعاً مستمراً بسبب البدايات الخاطئة لمثل هذا التأسيس الهش.
إن الأبناء يحتاجون لوجود روحي ونفسي وتربوي من قبل آبائهم لا الوجود المادي الذي يدعون إنصافه بتأمين ملابس وطعام وشراب وخلافه.
إن التبعات التي تخلفها مثل هذه السلوكيات تحمّل المرأة فوق طاقتها مثل متابعة الأبناء في دراستهم، وتأمين متطلبات الأسرة، أما السيد المتوج فقد فعل ذلك ليرضي رغباته ليتبع السُنّة ولو كان متبِّعَاً لها حقيقة لتكشف لنا عكس ذلك، ولوقف وعلم حدود قدراته وما جاوزها، إن قاعدة عريضة من الرجال تعتقد أن الزواج رغبة تقضى وكفى، وإلى هؤلاء أقول: إن تحسب المسؤولية والأمانة يوجب وقفة أخرى وأبعاداً أكثر تبرأ فيها الذمة أمام الله عزّ وجلّ.
لا يندرج في قواميس الشريحة الكبيرة من الرجال ما يسمى (بالتضحيات) فإذا هبت ريح نفسه فيما يعتقد أنه قصور في الآخر سينغص عليه بعض الشيء هب يطلب التعويضات بسياسات قائمة في محدودية لتفكير منحسر لا يتجاوز أغراض ومطامح الحياة الدنيا، وأمثلة ذلك متعددة.
يجانب الرجل الصواب حين يعتقد أن القوامة التي ذكرها الله جل جلاله بقوله {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} (34) سورة النساء تعني أن يقيم نفسه فيراها سقفاً يعلو على أرض وله أن يستغلها كيفما شاء، إن المعنى العظيم للآية يسمو ليؤسس للحياة الإنسانية منهجاً للرجولة يطل فيه الرجل بقوامته التي تعني في كل التفاسير (الإنفاق وتحمل المسؤولية) إطلالة تكليف وتحمل للمسؤولية أهِلَ له يتمخض عنه حمل للأمانة كما أرادها العزيز الحكيم، إننا لكي نتحدث عن هذه القضية حديث إيفاء لكل أبعادها يجب أن نفرد لها مطولات، فالأمر أعظم من أن يُطرح أو يُشرح في عجالة.
تمتد مطامع بعض الرجال في النساء إلى آماد قد لا نتصورها, فإن كانت موظفة نظر إلى راتبها بإشراف نفس وتبع النظرة أفعال متشعبة، وإن كانت صاحبة ملك تحايل ليمتلكه أو بعضه، وإن اضطرت لمحادثته أو مراجعته في دائرة ما حدث ما أترتفع عن ذكره مما لا يليق بمن يعلم بقانون المقاضاة ولا يرتضيه من عنده أدنى غيرة على حرمات الله، ويحق لكم أن تستعظموا الواقع إذا علمتم أن بعض هؤلاء ممن يشار إليهم بالصلاح بدرجة عالية لا ريب أنه صلاح صور وعبادات وشعائر ورسوم خارجية لا غير.
تُطوح المراهقة بفريق من الرجال إلى ما بعد الأربعين وتعلمون طابع المراهقة وسلوكياتها فلا عجب أن نرى من الشباب من يعتبر عقد الزوجية محطة عارضة للاستراحة الوقتية التي يملي فيها شروطه وحماقاته على من تسمى زوجته وليته يكتفي بهذا، بل إنه يتفنن في إذلالها، أتدرون لماذا.؟ لأن نفراً منهم يرى أن ما دفعه من المهر خسارة يجب أن تعوض، ولن يعوضها إلا بأفعاله التعيسة المنكوسة الخارجة عن تقييم الرجولة المسلمة الحقة فما هي إلا أيام حتى تصبح تلك المرأة إما معلقة أو مطلقة.
إن الجلد بسياط الحقيقة خير من الركون إلى الواقع المر لأننا نرجو من هذا الطرح ومن كل طرح شبيه نزيه يريد وجه الله والدار الآخرة أن يصل إلى عقول وقلوب المعنيين به. حيث إن هناك نوعاً من الناس يصطادون في الماء العكر فيتوهمون أن مراداتنا تنحى إلى الخروج من دائرة الرجل وما هذا والله أردت، بل إننا نطمح إلى النهوض لتكون في مكانتنا الجديرة بنا.
إن صلاح المرأة يا سادة مرهون بصلاح الرجل, استمعوا إلى قول النبي الخاتم عليه أفضل الصلاة والسلام (إني أحرج حق الضعيفين المرأة واليتيم) وهذا قائم وغير منكور.
إن المرأة بحاجة إلى رجل يحميها لا يمحيها ويبنيها لا يهدمها، إن من مضامين قوله عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، أن توجيه الرجل وتهذيبه وتربيته تؤدي إلى انكسار هذه الفتنة عنه فيربح كلا الطرفين.
حتام يظل الرجل جاثماً على وجه الحياة بدل أن يكون مصدر إشراق ومنى وسعادة.
إن تداخلات الحياة وتعقيداتها وما تقتضيه من تعدد الأدوار يوجب على العلماء والمربين وضع سياسات صحيحة توصل إلى العناية بالفرد من خلال المجموع فلا قيام للحياة الإنسانية حين ننظر لكل فرد بمفرده وإنما حين نخاطبه داخل بوتقة التنظيم الإنساني المنفرد بإسلاميته المتميز بتنفيذاته الشرعية الخالصة.
|