* متابعة وتصوير - عمر البقمي:
الطلاق أبغض الحلال إلى الله, وهو معول هدم المجتمعات المتماسكة, كيف لا والأسرة هي نواة المجتمع واللبنة الأساسية في تكوينه والتي تتفكك بمجرد الطلاق.والطلاق شرع ليكون حلاً لمشكلة, لا أن يكون مشكلة تحتاج إلى حل, فالطلاق يكون حلاً في حالة استحالة استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين ولذلك مقاييس عدة.ويكون مشكلة وتحتاج إلى حل إذا كثر وفشا وصارت إحصائيته تزيد يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام.
وللوقوف على هذا الموضوع عن كثب, فتحت (الجزيرة) الملف بعد ان علمت بزيادة نسبة الطلاق في العام الماضي 1424هـ عنه في الأعوام السابقة واستطلعت مجموعة من المواطنين الذين مروا بهذه التجربة فماذا يقولون:
عقدة ابن العم
في البداية تحدث إلينا الشاب فهد.أ.ن. عن قصة زواجه التي انتهت بالطلاق فقال: منذ ان فتحت عيناي على الدنيا وأنا أسمع أبي وعمي دائماً يقولون بأني سأتزوج من ابنة عمي تمشياً على وصية جدي- رحمه الله- بأن البنت لولد عمها وكبرت وتزوجت ابنة عمي على مضض ولم استطع اسعادها ولا هي كذلك حيث كان كل منا يشعر بأنه قيد بالآخر دون أخذ رأيه ولا مشورته وكانت النتيجة الطبيعية الطلاق.
ويضيف عبدالله: سامحهم الله لو انهم تركوا لنا حرية الاختيار لربما كانت الأمور أفضل مما هي عليه الآن.
غلاء المهور
ويحكي الشاب علي.ن.م قصة طلاقه ويقول: إن غلاء المهور قد يكون سبباً لفشل الحياة الزوجية فأنا لازلت أدفع معظم راتبي الشهري لجهات عديدة تسديداً للديون التي تراكمت علي كي استطيع إكمال نصف ديني. ولو كنت أعلم بأن الأمور ستصل لهذا الحد لما تزوجت.
ويضيف علي: تزوجت قبل ثلاث سنوات وطلقت زوجتي بعد زواج استمر لعام ونصف العام لكثرة طلباتها وعدم مقدرتي على تلبيتها مما أحدث المشاكل بيننا والتي انتهت بالطلاق.
ويقول علي:ان حالته النفسية ساءت بعد زواجه بشهرين بسبب الديون المتراكمة عليه من جهات عديدة وزادت زوجته الأمر سوءا عليه بكثرة طلباتها.
ثم ختم علي حديثه بدعوة مليئة بالحرقة والألم على والد زوجته الجشع الذي فضل المال على سعادة ابنته.
ودعا كل أولياء الأمور بأن يراعوا الله في بناتهم فسعادتهن ليست بضاعة تباع وتشترى بالمال.
القنوات الفضائية
الشاب سعد.ع.ط. يقول ان زواجه لم يستمر أكثر من أشهر وعن السبب يقول: لم أكن على وئام معها ولم نتفق على شيء إطلاقاً وتفكيرها يختلف عن تفكيري تماماً فلقد كنا نعيش تحت سقف واحد ولكن فكرياً كنا أبعد ما نكون عن بعضنا.
وعن المشكلة التي تسببت في الطلاق يقول: في إحدى المرات التي كنت فيها مع زملائي في الاستراحة كنا نتابع برنامجاً على قناة فضائية يبث على الهواء فإذا بي اسمع صوت زوجتي تتصل على البرنامج واسمها الأول مكتوب على الشاشة.وحينما عدت للمنزل وتأكدت بأنها هي المتصلة طلقتها لأريحها وارتاح.
التدخلات الخارجية
أما الشاب فهد.س. فيقول: ان حياته الزوجية لم تكن مستقرة حيث كانت علاقته بزوجته تخضع للتدخلات الخارجية من قبل أهلها.
ويقول: كنت أعود في معظم الاحيان لمنزلي من العمل ولا أجد زوجتي حيث تكون خرجت مع والدتها وأخوانها للتنزه أو للزيارة.
وقد حاولت إصلاح الأمر مراراً وتكراراً لدرجة أني تحدثت لوالدتها - لأن والدها متوفى - ولكن دون جدوى, فالأم تأتي لاصطحاب ابنتها ويذهبون مع السائق وبدون إذني فكانت النتيجة الطلاق.
العناد:
وتقول المعلمة أم أريج من جدة: إن سبب طلاقها من زوجها يعد من أتفه اسباب الطلاق حيث تحكي القصة وتقول: كنت أقوم بمشط شعري يومياً (بالاستشوار) كل صباح وقبل ذهابي للمدرسة. وكان هذا الامر يزعج زوجي كثيراً فهو لا يطيق سماع صوت الاستشوار صباحاً وانا لا استطيع الذهاب للمدرسة بدون أن امشط شعري.
وفوجئت ذات صباح وأنا استخدم (الاستشوار) بأنه يستيقظ من نومه غضبان ويرمي علي يمين الطلاق, وبدلاً من ان يوصلني للمدرسة أوصلني إلى منزل أهلي, وأرسل لي ورقة طلاقي بعد ذلك.
وتضيف أم أريج: هذا السبب التافه جعلني أسأل نفسي أكثر من مرة كيف لعلاقة زوجية استمرت قرابة العام تنتهي في لحظة عناد؟
أنا خائفة ومحبطة ولن أتزوج مرة أخرى.
الحب والتسرع
ويرى الشاب عبدالله سليمان المعيوف ان أسباب زيادة حالات الطلاق في الآونة الأخيرة التسرع فالتسرع في الزواج ينتج عنه التسرع في الطلاق.
ومن الأسباب ايضاً يرى بأن عدم وجود الحب بين الزوجين أو عدم إعطائه الفرصة كي ينمو من خلال العشرة الزوجية فالحب يأتي مع الأيام وليس من أول نظرة كما يدعي الحالمون.
ويقول عبدالله إن العناد والتحدي سبب أيضاً من أسباب الطلاق فكم من بيوت خربها العناد والمكابرة وعدم التفاهم بين الزوجين.
كما يرى أن التكافؤ الاجتماعي أو الثقافي غير مطلوب بالضرورة فكم من امرأة أمية اسعدت زوجها المثقف أكثر من امرأة مثقفة.
عسل وبصل
ويرى حمد الزنيدي أن الاسباب مشتركة بين الطرفين ولا يجب أن نلقي اللوم على أحد الطرفين دون الآخر فالكل يتحمل نسبة من الخطأ الذي أدى للطلاق.
كما يرى أن عدم الاحساس بالمسؤولية تجاه عش الزوجية وتجاه الآخر تكون سبباً في انهيار العلاقة, والاعتقاد بأن الزواج عسل على طول الأيام خطأ يجب تغييره من عقول الشباب والشابات ويجب إفهامهم بأن الحياة الزوجية مليئة بالعقبات والتي يجب ان يتعاون الاثنان لتجاوز كل العقبات لتصل سفينتهما إلى بر الأمان.
رأي شرعي
من جهة أخرى سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز (رحمه الله) عن أسباب الطلاق من وجهة نظره فأجاب سماحته: أن للطلاق اسبابا كثيرة منها: عدم الوئام بين الزوجين بألا تحصل محبة من أحدهما للآخر أو من كليهما.
ومنهما ايضاً سوء خلق المرأة, أو عدم السمع والطاعة لزوجها في المعروف, ومنها سوء خلق الزوج وظلمه للمرأة وعدم إنصافه لها ومنها عجزه عن القيام بحقوقها أو عجزها عن القيام بحقوقه ومنها وقوع المعاصي من أحدهما أو من كل واحد منهما, فتسوء الحال بينهما بسبب ذلك, حتى تكون النتيجة الطلاق.ومن ذلك ايضا تعاطي الزوج المسكرات أو التدخين أو تعاطي المرأة ذلك. ومنها سوء الحال بين المرأة ووالدي الزوج أو أحدهما. ومنها عدم عناية المرأة بالنظافة والتصنع للزوج باللباس الحسن والرائحة الطيبة والكلام الطيب والبشاشة الحسنة عند اللقاء والاجتماع.
رأي اجتماعي مختص
من جهته يرى الاخصائي الاجتماعي فيحان الرحماني ان اسباب زيادة عدد حالات الطلاق في الآونة الأخيرة مشكلة اجتماعية معقدة, فالاسباب تختلف من حالة لحالة اخرى ومن الخطأ معالجة كل الحالات بنفس الأسلوب. فكل حالة يجب ان تعالج على حدة وأن تدرس جيداً.
كما يرى بأن هناك مقومات لاستمرار الحياة الزوجية السعيدة يجب ان يركز عليها قبل الزواج وبعده كي لا تصل الأمور الى الطلاق ومن ثم نبدأ في الحديث عن اسبابه واثاره. ومن المقومات الرئيسية لاستمرار الحياة الزوجية يقول الاخصائي فيحان: التكافؤ الاجتماعي والثقافي والنفسي فمن الخطأ أن تزوج الفتاة المتعلمة (براعي إبل) مثلاً لأنه مجرد ولد عم أو قريب أم ما إلى ذلك.
وعدم طلب الكمال في الشخص الآخر فكل البشر لا يوجد فيهم شخص كامل لأن الكمال لله وحده.
عدم السماح للأطراف الخارجية بالتدخل في المشاكل الزوجية وإن صغرت أو كبرت ومهما كان قرب هذه الاطراف من الزوجين.وأخيراً الحب والتدرب على مهاراته وتعلم التضحية من أجل الآخر.
إحصائيات
مصدر مسؤول بوزارة العدل صرح ل(الجزيرة) بأن نسبة الطلاق في العام الماضي زادت عنها في الأعوام السابقة وان الوزارة بصدد إصدار بيان بأعداد عقود الزواج وصكوك الطلاق التي تمت أمام محاكم المملكة لهذا العام ومقارنتها بالاعوام السابقة.
وذكر المصدر بأن عدد حالات الطلاق في مدينة الرياض قبل عامين بلغ قرابة نصف عدد حالات الزواج حيث ان عدد حالات الزواج المسجلة في ذلك العام بلغ 11.252 حالة وفي المقابل بلغت حالات الطلاق المسجلة في ذلك العام 4917 حالة.
وفي المنطقة الشرقية بلغت حالات الزواج المسجلة 5613 حالة وبلغت حالات الطلاق في ذلك العام 1702 حالة اي في حدود الثلث.
وفي مكة المكرمة بلغت حالات الزواج 24034 حالة زواج وحالات الطلاق المسجلة 3858 حالة اي في حدود خمس حالات الزواج.
وفي منطقة عسير بلغت حالات الزواج 10528 حالة وحالات الطلاق في المقابل بلغت 1571 حالة اي أن حالات الطلاق في حدود عُشر حالات الزواج أو أعلى بقليل.
|