تظهر في الصحف -بين آن وآخر- إعلانات ملونة وكبيرة وذات خط عريض وواضح مضمونها فسخ وكالة! حيث يتم الإعلان بأن (المدعو فلان) بالاسم الرباعي، وأحياناً الصورة، قد تم إنهاء العلاقة به فأصبح لا يمثل (الشركة أو المؤسسة أو مجموعة أشخاص) بأي صورة شرعية أو قانونية، وقد تم فسخ وإلغاء الوكالات الممنوحة (للمذكور) الصادرة من المحكمة بأرقامها وتواريخ صدورها! ولا ينتهي الإعلان عند هذا الحد، بل يتعداه إلى درجة التحذير من التعامل مع (المذكور/ المدعو) وإخلاء المسؤولية منه، والوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور إن سوَّلت له نفسه باستخدام الوكالات الممنوحة له في وقت سابق!!
والحقيقة أن كل شخص مسؤول عن اختيار وتوكيل مَن يمثله، ممن يأنس به الأمانة والتقوى وسمو الأخلاق والقدرة على تحمل المسؤولية، ولكن قد تتغير النفوس، أو يدخل الشيطان للمرء فتسول له نفسه الشر، إما باختلاس أو تصرف في غير محله. وفي هذه الحالة، أو بزوال السبب، ليس على المرء من بأس بإلغاء الوكالة متى شاء؛ إما لكبر السن وضعف المقدرة على إدارة العمل، أو لانشغال أو سفر، أو لعدم قدرة على التصرف، أو للترمل واليتم نتيجة لوفاة العائل، أو لأسباب يصعب حصرها. هذا عدا نشوء خلاف أو حصول أخطاء من الشخص الموكل له العمل، وعندها يعمد بعض الأشخاص بعد قرار فسخ الوكالة بالتشهير به على مشهد من الملأ وعبر الصحف!! وهذا الإجراء من شأنه أن يثير الكراهية والبغضاء والأحقاد، سيما أن المرء (المشهر به) مرتبط بأسرة وأبناء وأصدقاء وجيران. ولا بد من مراعاة هذا الأمر؛ حيث إن الناس -غالباً- يحاسبون الشخص بجريرة والده أو أحد أقاربه، وذلك له تأثير سلبي في تعامل الناس مع بعضهم، كما له وقع نفسي مؤلم على الشخص المشهر به، ويكفيه الشعور المرير بفسخ الوكالة لعدم أهليته لها، فكيف يُجهز عليه بالتشهير بالصحف وإلحاق الضرر به وبأسرته؟!
ولعل الشخص الذي فسخ الوكالة يتذكر حسنات الوكيل الذي غالباً ما يكون أدى الأمانة طوال سنين مضت، وعمل بإخلاص وتفانٍ!! بيد أن الإنسان معرض للزلل، أو تغير بالنفوس أو بالأشخاص تمخض عنه عدم الرضاء عليه، والله عز وجل يقول: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}. فينبغي الرفق بالناس والصبر والاحتساب، ولا يكون اللجوء للتشهير بدافع الانتقام.
ولعل المسؤولية تقع على وزارة التجارة والمحاكم الشرعية في منع أو تقنين مثل هذه الأمور، كما يحسن بالقائمين على الصحف الامتناع عن نشر مثل هذه الأمور الشخصية؛ حيث إن ضررها -إن وجد- يقتصر على شخص أو عدة أشخاص فحسب، كما أن دوافعها مجهولة! والاكتفاء بالتشهير الصادر من وزارة التجارة لردع الشركات والتجار الذين يعبثون بصحة جميع أفراد المجتمع، سيما وأن هذا التشهير يسبقه -عادة- تنبيه وتحذير، وتقوم به لجنة متخصصة بعيدة عن النيل الشخصي والانتقام!!
فهل نسمو بأنفسنا عن التشفي ونكظم الغيظ ونعفو عن الناس ونكون من المحسنين؟!
وهل هناك ما هو أروع من الإحسان للناس وامتلاك قلوبهم؟!
ص.ب: 260564
الرياض 11342 |