Saturday 20th March,200411496العددالسبت 29 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سبحان الله.. يحق لهم ولا يحق لنا.. سبحان الله.. يحق لهم ولا يحق لنا..
عبدالله بن ثاني*

سبحان الله العظيم.. يحق للولايات المتحدة الأمريكية ان تحمي أمنها القومي بأي وسيلة شاءت حتى وإن كانت تتعارض في ظاهرها مع مبادئ حقوق الإنسان واتفاقيات الحرية، فتطارد أسامة بن لادن من كهف إلى كهف، وتسقط نظاماً حاكماً في أفغانستان وآخر في العراق بحجة تهديدهما للأمن القومي الأمريكي، أحدهما بالإرهاب والآخر بأسلحة الدمار الشامل، ويفصلهما عنها آلاف الأميال، وتحصل على تأييد من الأمم المتحدة وتصدر بذلك قرارات تحاصر فيها الشعوب لمعاقبة مجموعة فاسدة تحكم ذلك الشعب هي أبعد ما تكون عن أضرار الحصار، ويحق لها ان تجمع الناس من الشوارع والأزقة وتودعهم السجن في غوانتانامو وتصنع منهم بشراً على هيئة البرتقال بحجة تهديد الأمن القومي الأمريكي، بل إنها عرضت بعض الأفراد الأجانب فيها للمساءلة والسجن وتحمل الأعباء ولا أدل على ذلك من قضية سامي الحصين وغيره، وأنا لا أبرر في هذا المقال لأحد، لأنني لا أعرف تفاصيل القضايا وتطلب من مجموعة من الدكاترة السعوديين الدبلوماسيين المغادرة لأنهم في معهد العلوم الإسلامية يهددون الأمن القومي الأمريكي ولا بد من تصحيح أوضاعهم، فمن حق أي دولة أو مجتمع ان يحرص على وحدته وأمنه بالطريقة التي يراها مناسبة لأنه أعرف بذاته ومواطنيه.
ويحق لإسرائيل ان تفعل الأعاجيب بالإنسان الفلسطيني وتمارس ضده كل أنواع التعسف والتهجير ثم تسجن شعباً كاملاً خلف جدار فصل عنصري بحجة حماية الأمن القومي الاسرائيلي دون التفات إلى تلك الشعارات المزيفة والمعلنة في مبادئ حقوق الإنسان وما يتعلق بها من اتفاقيات وبروتوكولات وقرارات ومن حق بريطانيا ان تحارب الجيش الأيرلندي بحجة تهديد الأمن القومي البريطاني وتسجن كل من يؤمن بمبادئه وهكذا وبكل أسف لا يحق للآخرين ان يحفظوا الأمن القومي لهم، بالطريقة التي يرونها مناسبة، بل ان أي تصرف أمام هذه المعضلة الوطنية يعد خرقاً لقانون حقوق الإنسان ولو كانت على مستوى سؤال المواطن أو إيقاف تقتضيه المصلحة وضرورة الواقع، وبسببها يعلق الساسة الكبار زياراتهم للمنطقة احتجاجاً على هذه السياسات التي أعطت هؤلاء المارقين المبرر للخروج على الثوابت وتدمير هذه الأنساق البشرية التي ضحينا بكل شيء من أجل قيامها على هذه الصورة الإسلامية الموقرة، وتفعيل المواجهة مع من يرى شرعية التفجيرات والحقيقة المرة التي لم يدركها هؤلاء أنهم عربة تحمل المشروعات الأمريكية ضد أمتهم إذ هم وسيلة من وسائل الضغط للحصول على تنازلات تخدم إسرائيل والمصالح القومية الأمريكية من حيث لا يشعرون لأن دولة قادرة على نقض حكومات وتعيين أخرى قادرة أيضا على سحب هؤلاء من دولتهم ومحاكمتهم بحجة تهديد الأمن القومي الأمريكي ولم تفعل ذلك لأنهم يؤدون دورهم على الوجه الذي تريده الولايات المتحدة وإسرائيل، بل ان الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تجهل أو تتجاهل انها سبب هذه الفتنة والإثارة في هذا الشرق الأوسط منذ ان وطئت قدماها أرض العرب، وإعطائها الشرعية للنظام العراقي الغبي باجتياح الكويت ثم تداعت بعد ذلك المواجهات الشعبية الرافضة للحرب والوجود الأمريكي والحكومية الخائفة من تبعات تلك المواجهة وقد دفعت في مقابل ضبط الأعصاب وتماسك المجتمع ما أشغلها عن تنمية الإنسان والوطن، ثم تدعو هذه الولايات إلى استفتاءات شعبية وديمقراطيات مزيفة وهي تعلم ان القوى الشعبية لا تخدم مصلحة من مصالحها ولو كانت بفتح مطعم يحمل علامة أمريكية. فما القصة إذن؟
إن الولايات المتحدة ذاتها والمجتمع الدولي بعامة لا يسمح لمن يسعى فيه إلى تفكيك الوحدة الاجتماعية وتقسيم البلاد وزرعها بالطائفية والعرقية، بأن يمارس نشاطه وأيديولوجياته التي تحقق ذلك فلماذا تحاسب الحكومات العربية التي تحاول ان تضبط الواقع وتعالج هذا الهيجان في الشارع العربي بأقل التكاليف، ولو كانت هذه الفئات في تلك الدول وتلك المجتمعات لنصبت لها المحاكم بحجة الخيانات العظمى وتشتيت الأمة لأنها ما زالت تؤمن ان الاحتلال شرعي والمقاومة إرهاب، والأعجب من ذلك ان دول الشرق الأوسط والسعودية تحديداً لو فتحت الباب على مصراعيه للمطالب الشعبية (القبائل والمدن، والجماعات، المؤسسات) برفع دعاوى ضد كل من غرر بأبنائها عن طريق الكتاب والشريط والجمعية والمؤسسة ولا أستثني من ذلك أحداً: الإسلامي الذي يدّعي الوسطية والعلماني الذي يدّعي التمدن لوصفت بانها تخرق حقوق ذلك الإنسان الذي لم يكن حضارياً في مواطنته، لأنه يطل كخفافيش الظلام مع كل أزمة ويأبى إلا أن يكون دابة يمتطيها الاستعمار الجديد ليفتح مشروعاته الشخصية في وقت يهدد مشروع الأمة الكبير بالذوبان والوصاية ولا يعني الاسم الإسلامي إعطاء الشرعية لتلك الوسيلة الدعوية، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هدم مسجداً بني ضراراً اتخذه المنافقون لتفريق الأمة، بعد نزول قوله تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } ولا أحد يناقش في أهمية الحرية التي حماها الإسلام قبل هذه الأنظمة الوضعية الناقصة وكل النصوص الشرعية التي تدعو إلى وحدة المسلمين وتماسكهم من خلال الحفاظ على النظام القائم حفاظاً على الضرورات الخمس لم تغفل خطورة الثورات والفتن والقلاقل، وأدركه علماء السلف الذين يرون حرمة الدماء والأعراض وخطورة الانفلات الأمني، وأدركه العلماء الربانيون في هذا العصر الذين يقرؤون الواقع قراءة تختلف عن قراءة الحركيين المجنحين في عالم الخيال، لأن هذه المنطقة من العالم تتحكم بمصالح أهل الأرض بناء على ما أودعه الله جل وعلا فيها من النفط والخيرات والمواقع الاستراتيجية وبالتالي لن يسمح العالم بقواه التكنولوجية والبيولوجية والنووية ان يتولى أمر مصالحهم من هم يحملون عداء فطرياً لتلك الشعوب وتلك الحكومات وستتحول المنطقة إلى فرض وصايات لا يدرك خطرها إلا اللبيب الذي بالإشارة يفهم ان نسبة البطالة 20% أسهل وأرحم من ان تكون 100% في ظل القمع الاستعماري الجديد والاستبداد الطارئ، فالحرية إذن ليست مطلقة بل هي مقيدة بالمسؤولية التي تعترف بالحدود والخطوط الحمراء التي حددها الشرع للمسلم في حق نفسه وما يترتب على ذلك من علاقاته بحاكمه ووطنه ومجتمعه لأنها أشبه بالنار، إن لم تستخدم بحذر يقتصر على المنفعة لدمرت كل شيء وأكلت الأخضر واليابس.
ومبدأ الحرية الذي يتغنى به الآخرون كان نتيجة عقدة ورثوها من عهود الاستبداد التي كانت سائدة في أوروبا قبل الثورة الفرنسية، إذ لم يتوافر في المجتمعات الغربية العدل والتكافل والرحمة مثلما توافرت في المجتمعات الإسلامية التي لا تخدعها مثل هذه الشعارات المملوءة في ظاهرها بالرحمة وفي باطنها بالعذاب المقيم، ولم تستغل تلك المبادئ كما ينبغي، ولم تطبق بالطريقة الصحيحة لأن مصدرها الإنسان الناقص مما دعا شارل ديغول (عظيم فرنسا) ان يقول: إن فرنسا لا تزال تعاني من تأثير الثورة الفرنسية حتى الآن. وقال أحد زعماء الثورة في حينها (أيتها ثورة، كم من الجرائم ترتكب باسمك) لأنها تحمي الإنسان المجرم، الخائن، والنفعي، وترعى المشروعات والسلوكيات التي تحطم القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية على يد الأقليات المتمردة، التي لا تمثل الرأي الشعبي العام، وتنسى الإنسان الضحية وأي أخذ على يد أولئك السفهاء يدعى في النظام العالمي ديكتاتورية مع أنني أفرق في هذا المقام بين المستبد في ذاته الذي يعشق دماء الأبرياء وقمع الصالحين وسجن المظلومين بدون قانون وبين المسؤول عن تطبيق القانون في حق الخارجين عنه بشكل يتنافى مع الحق والفضيلة والخير والكمال الإنساني وحماية المجتمع من شره وشر أفكاره، وما زلت أعجب من ذاكرة إسلامية ونصرانية تنسى البروتوكول الأول من بروتوكولات حكماء صهيون.
(لقد كنا أول من هتف بكلمات الحرية والإخاء والمساواة وما انفكت هذه الكلمات ترددها ببغاوات جاهلة يتجمهرون حولها من كل حدب وصوب، ولم يتبينوا عواقبها، فقد كانت هذه الكلمات مثل كثير من الديدان، تلتهم سعادة الجوييم وتحطم سلامهم واستقرارهم مدمرة بذلك أسس الدول، وقد جلب هذا العمل النصر لنا)، ويؤكد ذلك أزوالد سبينجلر في كتابه سقوط الحضارة الغربية عندما تحدث عن وهم الحرية في الولايات المتحدة الأمريكية قائلاً: يعتقد المواطن الأمريكي انه حر من الناحية الدستورية وان النظام الذي نعيشه يكفل له حريته الشخصية، وحرية التعبير عن الرأي، ولكن المشكلة هي ان هذا النظام نفسه وفر آلية لخطف حرية الفرد وارتهانها، ومن أخطر أدوات هذه الآلية أجهزة الإعلام.
وبذلك نصل إلى ان الحرية مسؤولية، ولا يمكن ان تكون أداة من أدوات الظلم والاعتداء على الآخرين ونشر الفساد وتضليل الناس وفتنتهم والترويج للمشروعات الشخصية الهدامة على لسان رويبضة يظن انه يتحدث باسم العامة، وينبغي للمسلم أن يكون حذراً من هذه الشعارات التي توهمك أنها تمنحك كل شيء، بينما هي في الواقع تسعى للتدمير والوصاية.
وبعد ذلك نتمنى ان ترقى أمة الولايات المتحدة الأمريكية إلى قيمتها العالمية وسيطرتها على هذا الكوكب بالعولمة من خلال القطب الواحد، وأن تساعد الحكومات على ضبط الأمن والاستقرار بطريقة متمدنة لا تفكر في حماية المجرم الذي لا يختلف عن الجاسوس في الفت في عضد قومه وهزيمة أمته على يد الآخر، ومن أبسط حقوق الوطن ان يحاكم ذلك الجاسوس وذلك المجرم حماية للمجتمع بأفراده ومؤسساته المتماسكة بصعوبة، هذه المنطقة المتوترة على برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة، والذي لا يخدم العالم حينئذ عدم استقرارها لأننا وإسرائيل والولايات المتحدة سندفع الثمن غالياً لأنه ثمة فرق واضح بين المواطن المصلح وبين المواطن المجتث فالأول يعالج بهدوء ويراقب بصمت وتفتح له الأبواب ويسعد عندما تتوجه الحكومة للإصلاح ومعالجة الحساب الذي لم يتم في يوم وليلة وإنما يحتاج إلى وقت أكبر وفرصة كبرى والآخر ينظر إلى الأمور من خلال عين لا تشبع وقلب لا يرحم وكلما قدم وثيقة للإصلاح أعقبها بوثائق أخرى تتعلق بإزالة الثوابت الدينية والسياسية والاجتماعية لهذا المجتمع المتماسك مستغلاً واقع السياسة وحكمة القيادة فهدفه الاجتثاث وليس الإصلاح وهؤلاء نعرفهم ونعرف انتماءاتهم السياسية والحزبية كحزب التحرير وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي ترددوا عليه عامي 1408 و1409 أيام مهرجان المربد وحزب الإخوان المسلمين والهم الأكبر لهؤلاء المجتثين تحقيق الأهداف الحزبية على حساب وحدة الوطن وتماسك أفراده إرضاء لأئمتهم في تلك الأحزاب وهذا النوع من البشر لو كان في الولايات المتحدة الأمريكية لتعرض للإيقاف والمساءلة وبخاصة إذا عرفنا ان الرئيس جورج بوش قد اعتمد في حملته الانتخابية حماية الأمن الشخصي لكل مواطن أمريكي وحماية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية لأنه طارد الإرهاب في أوكاره على امتداد الأرض بالدبلوماسية ذات الخوذة الثقيلة والبسطار الطويل وطائرات ب 52 عابرة القارات.

* الإمارات العربية المتحدة


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved