* اتاوا - تهاني الغزالي:
إشراقة الغد، وأمل المستقبل كالزهرة ان تولتها يد الإنسان بعين الرعاية والاهتمام ربت وترعرعت، وإن أهملتها ماتت وذبلت. ومن أجل هذا حثت كل الأديان السماوية على حسن رعاية الطفل وضربت أروع الأمثلة التي تبين أثر تلك الرعاية التي تبدأ باختيار الزوجة وتنتهي بالعديد من التشريعات السماوية التي تحفظ للطفل حقوقه منذ أن يوجد في بطن أمه. وبالرغم من كل هذا تجد الطفل في الوقت الحاضر ما زال في حاجة إلى مزيد من الرعاية والاهتمام بسبب انتشار بعض المفاهيم الخاطئة في تربيته. ولمناقشة تلك المفاهيم وتصحيحها التقينا بعدد من أهل الاختصاص والمهتمين بشؤون الطفل.
مص الأصابع
من المفاهيم الخاطئة التي لها أثرها السيئ على نفسية الطفل مفهوم مص الأصابع وهي عادة ترى البعض من الأمهات ضرورة ان يتخلص طفلهم منها بينما يرى الدكتور أحمد خيري أستاذ علم النفس ان الأصابع من وجهة علم النفس هي استدعاء لثدي الأم ونوع من التواصل الإكلينيكي ودليل على الرغبة غير المشبعة في التواصل مع الأم، فمص الإصبع رسالة فحواها نداء من الطفل يناشد فيها أمه بأن تزوده بمزيد من الحنان والحب. ولهذا لا بد أن تقدم له الحنان والحب بدلاً من ضربه وازدرائه لكي يمتنع عن مص أصابعه. ويضيف الدكتور أحمد أنه لعلاج هذه العادة حرص المعالجون النفسيون على وضع عروسة شبيهة لشكل الأم في اليد التي بها الإصبع الذي يمصه الطفل. هذا بالنسبة للأطفال صغار السن. أما في العلاج السلوكي فنجد ان المعالجين يقدمون خبرة منفرة وسلبية كوضع سائل معين في الإصبع الذي يمصه الطفل ليولد في نفسه الشعور بالمرارة بمجرد ان يلعقه ويمصه. بينما يبين الدكتور أحمد جاد استشاري الطب النفسي ان مص الأصابع علامة نستدل بها على السلامة النفسية للطفل. فيقول ان عادة مص الأصابع عادة تساعد الطفل على التخلص من الضغوط النفسية التي يعانيها ولهذا فمن الضروري ان نعرف لماذا يمص الطفل إصبعه قبل ان نمنعه. وفي حالة عدم وصولنا إلى السبب الذي يدفعه للمص يفضل تركه حتى يستطيع ان يحقق لذاته الراحة النفسية. لذا نناشد الآباء والأمهات إلى عدم الضغط على الطفل ليتخلص من هذه العادة لأن الضغط هنا حتماً سيؤدي لظهور عادة أخرى سيئة أو أكثر. أما بالنسبة لضررها على الأسنان يؤكد الدكتور جاد على أنه بسيط ويمكن علاجه.
الدكتورة حنان عطا الله أستاذة علم النفس الأسري ترى أن بعض الأطفال يلجأ إلى مص الأصابع نتيجة الحرمان من الطعام وعدم توفر غذاء كافٍ أو تقديم الغذاء في فترات متباعدة نسبياً تفوق إمكانات الطفل على تحمل فترات طويلة من الجوع مما يضطر الطفل إلى مص أجزاء من جسمه كالإصبع ثم يتعود على ذلك. هذا من جانب. ومن جانب آخر قد يكون قصر مدة الرضاعة سبباً من أسباب لجوء الطفل إلى مص الأصابع ولهذا من الضروري ألا نتجاهل هذه العادة ولا نضخم المشكلة لأن الأطفال يتركون عادة مص الأصابع بين الخامسة والسادسة، لكن في حالة إصرار الوالدين على التخلص من هذه العادة فمن الممكن أن يذكر الآباء أطفالهم بمخاطرها أو أن يجعلوا الطفل يشاهد نفسه في المرآة يومياً ولبضع دقائق وهو يمص إصبعه.
مفهوم اللعب
والخطأ الثاني (يجب ألا ندع الطفل يلعب لأن الدراسة أهم). وقد أفاد الدكتور أحمد بأنه للأسف أن مفهوم اللعب عند الأسرة العربية ما زال قاصراً على أنه مجرد تضييع للوقت، في حين أنه في حقيقة الأمر وسيلة أساسية للتعلم لدى الأطفال في مراحل الطفولة المبكرة لدرجة أن العلاج النفسي للأطفال لا يتم إلا من خلال اللعب. ولذلك تعطي الدول المتقدمة ومنها كندا للعب أهمية بالغة، ولهذا أصبحت الألعاب معدة ومقننة بأيدي خبراء نفسيين حيث أصبح اللعب بالنسبة لتلك الدول هامة. ولهذا تقام دورات للأمهات لتدريبهن على كيفية اختيار اللعبة المناسبة للطفل. ولذلك فموقف الأسرة العربية من اللعب يحتاج إلى مراجعة. وعلينا أن نعتبر اللعب هو المدخل الأساسي لتدريب الطفل، وأنه المجال الحيوي لتنمية طاقات الطفل الاجتماعية وبغير اللعب يصبح أطفالنا عاجزين وقد شابوا قبل الأوان.
كما يرى الدكتور أحمد جاد ان اللعب في أوقات معينة وبدون مبالغة يكون محدوداً لتحقيق التوازن النفسي للطفل ولتحسين العلاقة بينه وبين والديه ولهذا يجب أن ينتبه الوالدان لأن الطفل لن يتذكر دروسه إلا بعد أن يتأكد أنه سوف يشبع حاجاته في اللعب وان الشخص سواء الأم أو الأب الذي يوجهه للاستذكار صادق في وعوده مع الطفل وأنه على وفاق معه وأنه يؤمن بأهمية ان يلعب أولاً ثم يستذكر دروسه ثانياً.
اليد اليسرى والأنانية
الخطأ الثالث هو استخدام اليد اليسرى. وبهذا الخصوص أفاد الدكتور جاد ان هذا الاعتقاد شاع لسنوات عديدة في مختلف أنحاء العالم وكانت الأساليب التربوية تهدف إلى منع استخدام اليد اليسرى بقصد اصلاح هذا العيب ولكن الواقع أثبت أن استخدام اليد اليسرى أو اليمنى يرجع إلى مراكز عصبية موجودة في المخ وهي التي تتحكم في استخدام كلتا اليدين وهذا يعني أنه لا إرادة للشخص للتحكم في التركيبة العصبية لمخه. وأن محاولة منع ذلك يسبب ضغوطاً نفسية تضر بالفرد أكثر مما تنفعه.
ويناشد الدكتور خيري الآباء بتدريب الأبناء على استخدام كلتا اليدين بدلاً من ان نخيفهم وأن نشجعهم بدلاً من أن ندينهم وان (نطبطب) على الطفل لحاجته إلى المساندة حتى يتمكن من استخدام يده اليسرى جيداً.
الخطأ الرابع أنانية الطفل، يجب التخلص منها. وفي هذا الصدد بين الدكتور جاد ان الأنانية هي الطريق الطبيعي إلى أن يمتلك الشخص حباً لنفسه حتى يستطيع بعد ذلك ان يعطي حباً للآخرين فيجب ان يشعر هو بنفسه بهذا الحب تجاه ذاته من اجل أن يعطينا ما نطالبه به.
الخطأ الخامس (الطفل لا يفهم أي شيء) بالنسبة لهذا الأمر أكدت الدكتورة حنان على أن الطفل يفهم أكثر بكثير من الكبير حيث أنه يتدرب منذ الصغر على الاحساس بالآخرين وتعبيرات وجوههم بدون ان يفهم معاني الكلام الذي يصدر من الكبار. ولهذا فمن الضروري -بتعبير الدكتورة حنان- ان نتأكد من أنه ليس من المهم ان يفهم الطفل كل معاني الكلمات التي نتحدث بها معه إنما المهم ان يحس المعني ويحس ما وراء الكلام فذلك يولد في نفسه احساس بالأمان تجاه الأشخاص الذين يتعامل معهم ويحتك بهم.
التفوق الدراسي
الخطأ السادس (التفوق الدراسي) أهم شيء في حياة الطفل ولا بد من غرزه في نفسه وهنا توضح الدكتورة حنان نقطة مهمة للآباء بخصوص هذا المفهوم فنقول ان التفوق الدراسي يؤدي إلى النجاح في مجال واحد فقط ولكن التطبيق العملي لهذا النجاح هو الاحتكاك بالمجتمع والاستفادة من هذا النجاح والذي لا يأتي إلا بوجود شخصية إنسانية متوازنة تستطيع التعامل مع الآخرين. وهذا لن يحدث أيضاً إلا إذا لازمه تفوق دراسي واستقرار نفسي وشخصية متوازنة مما يؤدي في النهاية إلى السعادة.
والخطأ السابع هو (ان الضرب طريقة مجدية في التربية) وفي هذا الجانب بين الدكتور خيري أن الضرب قضية جدلية حتى الآن بعد ان اكتسح تيار أساسي في علم النفس في عدم ضرب الطفل في البيت أو في المدرسة لأن هناك طرقاً أكثر فاعلية حيث ان المشكلة الأساسية التي تكمن وراء الضرب تتمثل في أن من يقوم بالضرب أحياناً كالأم أو الأب أو المدرس يفلت منه الزمام نتيجة لزيادة الانفعالات لديه فيتجاوز حدود المسموح به والضرب المسموح به يتضمن ثلاث طرق أساسية هي ألا يؤدي الضرب إلى إيذاء بدني أو نفسي. أن يتم في مناطق محدودة لا يتجاوزها فلا يصل الوجه ولا يقترب من الجوانب الأساسية في البنت أو الولد التي تمس أنوثتها أو ذكورته وألا يتم الضرب في الأماكن التي لها تأثير على السلوك الخارجي كالرجل أو اليد. وفي الأخير يجب ألا نلجأ للضرب إلا بعد فشل جميع الطرق الأخرى كالحرمان من المصروف والتهديد بعدم الخروج من البيت والتنزه في أيام العطلات. ويؤكد الدكتور خيري على أن علماء الاجتماع والنفس يرون الأمهات اللائي يلجأن لضرب الأطفال بقسوة وهم لم يتجاوزوا الخامسة من عمرهم لأسباب قد تبدو لهن هامة ولا يجب تركها بدون عقاب، أمهات يعانين من العديد من المشاكل العائلية أو النفسية. وجاء هذا الطفل فرصة لإثبات ذاتها وكيانها والتنفيس عما بداخلها مدعية بأنها تقوم بذلك من أجل تقويم سلوك الطفل ولهذا ننصح هؤلاء الأمهات بضبط أنفسهن لأن الضرب القاسي لا يأتي إلا بنتائج عكسية.
وفي الختام نود ان ننبه الآباء والأمهات إلى أن لغة الحوار والتفاهم هي الحلقة المفقودة في سلسلة تربية الطفل. ولهذا نناشدهم بضرورة إيصاح الأسباب للطفل قبل ان نقول له لا لأن الطفل حتى سن الخمس سنوات لا تكفيه الارشادات النظرية بل يلزمه ان يتفهم الموقف الذي يجب ان يفعله ويعرف لماذا يجب ألا يفعله ،هذا من جانب، أما الجانب الثاني فهو أن نوفر كل الحب والحنان لأطفالنا فذلك مفتاح صحتهم النفسية.
|