المعوق إنسان له ذات الحقوق التي كرّم الله بها كل إنسان {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} سورة الإسراء الآية 70 .
كما أن في الشريعة الإسلامية كثيراً من المرغبات التي تحث على الإحسان إلى ذوي الظروف الخاصة مع كثير من المرهّبات التي تحذر من الإساءة إليهم أو انتقاص حقوقهم تحت أي ظرف، وكل ذلك من منطلقات دينية عقدية برجاء الثواب وخوف العقاب مما يجعلها أقوى أثراً في النفوس من حيث القبول والتفاعل، وأعظم تأثيراً في النتائج من حيث سلامة نسيج المجتمع المتحاب والمتماسك والمتعاون.
ولذا فإن التواصل وطريقة التعامل مع المعوق ذهنياً مسألة في غاية الأهمية والشفافية، ولا سيما ان هناك من هؤلاء المعوقين من يتصرف تصرفات مفاجئة أو غير مفهومة أو غير طبيعية أحياناً، وفي بعض الحالات يضطر إلى إبقاء المعوق وحيداً ومنعزلاً عن الآخرني سواء كانوا من المعوقين أو من غير المعوقين، إلا أنه لا يخفى ان النظريات التربوية الحديثة تميل إلى حالات كثيرة إلى دمج المعوقين مع الأسوياء، مما يترتب عليه ضرورة وجود مستوى معين من الثقافة التربوية في التعامل مع المعوقين لدى المعلمين ولدى الطلاب المعوقين والطلاب الأسوياء معاً، لتنشأ العلاقة بين الطرفين في رحابة القبول والرضى.
إن من المهم جدا في أية ثقافة تربوية تتعلق بالإعاقة العناية بما يعانيه بعض المعوقين من مشكلات نفسية، وضعف في العلاقة مع الآخر أساسها الخوف أو الخجل، وربما كان ذلك نتيجة تأخر نضوجهم النفسي والعاطفي، وأخطر من ذلك ان تظهر هذه المشكلات في صورة سلوك عدواني، ما يجعل عملية الاتصال مع المعوق وكسب ثقته عملية ليست بالسهلة، فكيف إذن نحقق التواصل مع المعوق نفسياً وذهنياً؟
إن معرفة الكيفية المناسبة لتحقق الاتصال بين المعوق والآخر (المشرف أو الصديق أو المتعاون أو الأسرة أو غيرهم) هي أولى خطوات النجاح، وذلك باستخدام الوسيلة الملائمة، وتنمية القدرة على تبادل معلومات الاتصال (عن طريق إرسال رموز كتابية أو حركية أو لفظية كلغة تفاهم مشتركة بين المعوق والآخر أو غير ذلك من الطرق التي يكون لها قدرة الإفهام والتفسير)، وهذا يستدعي إيجاد وسائل وطرق مشتركة تنتهي بالطرفين إلى تحقيق التواصل المنشود، ومن الملاحظ ان غالبية المعوقين (عقلياً) أو ذهنياً من الأطفال يستطيعون الفهم، لأنهم يملكون بعض الإدراك من خلال متابعتهم للحركة أو للكلمة أو للتصرفات بل ويسعون إلى التقليد، وهذا قد يكون مدخلاً مناسباً للتواصل، وقد يصبح مفتاحاً مثمراً للوصول إلى قلوبهم وعواطفهم وقناعاتهم، ومن هذه البوابة بالذات يجب تطوير هذا القليل من الإدراك كي يتمكن الطفل المعوق من التعبير عن نفسه، فهو في الأساس يملك الإحساس وله رغبات واحتياجات يعبر عنها بإشارات أو حركات أو ألفاظ لو تم التواصل من خلالها بينه وبين الآخر فإن ذلك سيمكنه بالتدريج من الاندماج داخل المجتمع.
يجب ان ندرك ان المعوق فرد في هذا المجتمع عنده قدرات معينة، وان المجتمع محتاج إلى كل طاقاته البشرية، وقبل ذلك لا بد ان نستحضر إنسانيته التي كفلها له الخالق عز وجل، وان نقدر له رضاه بقضاء الله وقدره وان ننمي فيه هذا الرضى لتفعيل حركته وإنتاجه، ومن هذا المنطلق وهذا الفهم يجب بذل أقصى عناية واهتمام بالمعوق، فهو جزء من التركيبة الاجتماعية والإنسانية، وقد أصبحت مسألة الإعاقة هاجس كثير من دول العالم، ففتحت من أجلها معاهد التأهيل وخصصت لها خبراء ومربين يخضعون لدورات تدريبية وتأهيلية، وأتاحت لهم متابعة كل جديد يصب في مصلحة المعوق لغاية تأهيله لدخول المجتمع دخولاً يفيده ويفيد مجتمعه، كما أنشأت مؤسسات متخصصة للرعاية ومدارس ومعامل لتخفيف أعباء وتبعات الإعاقة.
وفي المملكة العربية السعودية عنيت الدولة الرشيدة أشد العناية بهذه الفئة الغالية علينا، فهيأت لها وسائل الرعاية والتعليم والتدريب والعمل الكريم عن طريق الجهات الحكومية الرسمية في المجالات التربوية والاجتماعية وعلى رأسها التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم وفي الشؤون الاجتماعية بوزارة العمل، وعن طريق دعم المؤسسات والجمعيات الخيرية التي تقدم خدماتها الإنسانية للمعوقين مثل جمعية الأطفال المعوقين ومجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل والمركز المشترك للأطراف الاصطناعية وغيرهم، بل ان قضية الإعاقة في المملكة حظيت بعناية رائدة في مجال التخطيط والدراسات العلمية، تمثل ذلك في مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة بدراساته المميزة ولقاءاته العلمية المثمرة.
وأحاول هنا ان استخلص العبر وبعض الوسائل التي يحسن بالمربي أن يسلكها في التعامل مع المعوق، لتحقيق التواصل بينهما، وهي الخطوة الأولى في عملية الدخول إلى عالم المعوق، وسوف أقدم ما جمعته من معلومات في قالب نصائح أقرها كبار الأخصائيين، وتبين انها أفادت المربي، ومن يقوم على رعاية المعوق سواء كان في البيت أو في مؤسسة تأهيل.
- من أهم المسائل التي يجب ان يدركها ويتعلمها الطفل المعوق ويعبر عنها هي نعم.. ولا.. فهي لازمة جداً في كثير من الحالات والمواقف، ويمكن ان يعبر الطفل عن ذلك بحركة من رأسه أو من يده أو من خلال صوت، ولكن يبدو ان قدرة الطفل على التعبير عن (لا) أصعب، فهو في كثير حالات يعبر عن (لا) بحركات تبدو مختلطة، كالعبوس أو البكاء أو العناد، ولا مانع من مساعدة الطفل على التعبير بالطريقة التي يختارها ب(لا) وهذا مبعث ثقة له، فالغاية في كل الأحوال هي تحقيق الاتصال بين الطفل المعوق والمشرف أو المربي.
- وكذلك في حال عدم قدرة الطفل على التعبير عن سروره ورضاه بالابتسامة وبسبب الاضطرابات الحسية علينا ان نوجد فهما مشتركاً لتوصيل هذا الشعور من خلال حركة أو إشارة أو صوت، بمعنى ان نحث الطفل على إيجاد طريقة للتعبير عن شعوره بالرضا والسعادة، أو الرفض والألم.
- يجب ألاَّ يغيب عن فطنة المربي ان يتابع في كل تصرف بينه وبين الطفل المعوق نظر الطفل، فنظر الطفل يفيدنا في فهم كثير من الحالات وفقاً للحركة أو الصوت الذي يقدمه له المربي، فالاتجاه الذي يأخذه بصر الطفل هو في الحقيقة واسطة مهمة لربط الفهم بالحركة، وهذا من أهم عوامل الاتصال بصرياً بين المربي والطفل المعوق.
- أهمية وضع الطفل مع الجماعة، فحركة الجماعة ينتج عنها تفاعلات متعددة تحرضه على تبادل التواصل أو التعبير عنه على الأقل.
- الطفل المعوق ذهنياً قد يعاني من اضطرابات حسية حادة، وهذا يستدعي ان يبالغ المربي في إظهار تعبير واضح على ملامح وجهه يرافق ويدعم صوته الذي يجب ان يكون حاد النبرات ايضا كي يخترق بطريقة ما اضطرابات الحس لدى الطفل، بمعنى ان يمزج الصوت مع الحركة ومع تعبير الوجه.
- من الضروري تحقيق التقارب الحسي اللمسي بين المربي والطفل المعوق، لأن التقارب في المسافة بينهما واللمس الدافئ يولد شعوراً بالثقة، وبذلك يتم التواصل بالإحساس حسياً وبصرياً وسمعياً، فقرب المسافة يمكن من قراءة تعبير الوجه، إضافة إلى الحديث الهامش الذي يذكي روح الثقة بينهما.
- من المهم ان نضع الطفل أمام مواقف جديدة ومتجددة دوماً، وان تكون على قدر من التشويق والإدهاش للفت انتباهه وتحريضه على إظهار ردة فعله إزاءها، وذلك بالعمل على إثارة حواسه، إثارة حاسة البصر بالألوان، وإثارة حاسة اللمس بالبرودة أو الحرارة، إثارة حاسة السمع بالصوت، صوت صافرة أو أصوات الحيوانات، وبهذا يتمكن الطفل بالتدريج من التمييز بين الأشياء، وفي قدرته على التعبير بدقة.
- على المربي ان يعبر عن تقديره لإدراك الطفل، بمعنى إشعاره بانه فهم أقل حركة أو صوت أصدرها، ولبى.. كأن يفهم المربي من إشارة ما بأن الطفل جائع، فيحضر له الطعام كي يُفهمه بان إشارته وصلت وفُهمت، وهذا يشجع الطفل على تكرار الحركة ذاتها للطلب ذاته.
- في بعض الأحيان تكون قدرات الطفل على الالتقاط الشفهي محدودة أو منعدمة، هنا فإن الإشارة بالحركة تفيد في تعريف الطفل بأمور بسيطة لكنها ضرورية، فقد تعبر لمسة عن طلب ما أو توصل فكرة ما، كأن تلمس يد الطفل لمسة خاصة يفهمها الطفل محبة.
- من الأهمية ان نترك للطفل حرية اختيار ما يريد، بان نضع أمامه نوعين أو أكثر من الفاكهة مثلا ونتركه يختار النوع الذي يفضل بالإشارة إليه ألو لمسه، وذلك أيضاً نمكن الطفل من أخذ مبادرة تنمي ثقته بنفسه وتشعره باهتمام الآخرين بمشاعره ورغباته، ومن الأهمية كذلك تسهيل عملية اتصاله بان نضع بين يديه وسيلة سهلة تصدر صوتاً أو رنيناً يصل إلى المربي فيلبي نداءه، ولا ريب بالتكرار يصبح فهم الطفل سهلاً.
- يحتاج الأطفال المعوقون إعاقات عقلية ذهنية عميقة إلى اهتمام خاص يعتمد اعتماداً كاملاً على محاولة تحقيق التواصل شبه الكامل بينه وبين المربي بكل وسيلة ممكنة وأهمها التفاهم بواسطة لغة بصرية حركية (الإشارات) وهذه اللغة تعمل على تحريض إصدار الصوت، وغالباً ما يتقبل الطفل المعوق هذه اللغة ويقلدها.. أو لغة سمعية لفظية (المشافهة).. ولا بأس من استخدام الصور كوسيلة داعمة، ومن المهم ان نجعلهم في وسط تواصلي غني.
- الإنسان العادي لا يستغني عن المرآة والنظر إليها بين وقت ووقت وهو فعل يربط بين حقيقة وبين صورة تتماهى بين وبين، وهذا أمر في غاية الأهمية في ان تكون المرآة صلة تواصل بين الطفل المعوق ذهنياً مع نفسه أولاً ثم مع المربي الذي يتابع ويكمل بالصوت التعريف بالأعضاء، ومن خلالها يمكن تمرير تمارين مفيدة للطفل، وإحساسه بأعضاء جسمه.
- الاهتمام بالتدليل بالصوت والمشافهة عن كل نشاط عادي ويومي، كإلقاء تحية الصباح، أو غسل الوجه، وأيضا بالنسبة لتسمية الأشخاص الدائرين في اهتمام الطفل (كأسرته) بدلالة الصورة لتمكينه من إيجاد علاقة بين الحقيقة وبين الصورة، أو بالنسبة للأشياء التي يحتاج إلى استعمالها دائماً وتكرار الدلالة مرة بعد مرة حتى ترسخ في تصرفاته.
- على المربي ان يلجأ إلى الحركات والإشارات وحتى تقليد بعض الأصوات وهو يقرأ على مسامع الطفل المعوق قصة من كتاب، وهذا مما يسهل وصول الفهم، كما ان الأجهزة الناطقة كالمذياع طريقة لتحريض الطفل على التحرك في بيئته وفي رغبته للاتصال.
- تشجيع الطفل على إصدار أصوات خاصة به، كوسيلة للتعبير كالصراخ مثلاً، على ان نسهل له ربط الصرخة بمسألة يريدها أو يحتاج إليها.
- الصور العائلية الخاصة بأسرة الطفل المعوق لا بد أن ترتبط في ذاكرته بأحداث، مع أمه أو أبيه أو أشقائه الخ، وحينئذ فعند عرضها أمامه فإنها تحدث تأثير السحر في نفسيته وعواطفه، وتعتبر وسيلة هامة لتنشيط الذاكرة والذهن، ولتحقيق التواصل بين الطفل والآخر.
أخيراً المعوق فرد من مجتمعنا، وعلينا واجب الاهتمام به وتأهيله كي يكون فاعلاً مفيداً في تطوير مجتمعنا ولذا اخترت هذه النصائح التي أعطت - حسب الإحصاءات - نتائج جيدة وأثمرت نجاحات مثمرة، أتمنى ان يستفيد منها كل مرب وان تعين كل معوق، نسأل الله ان يبارك في جهود القائمين على رعاية المعوقين وان يجزي الداعمين خير الجزاء، كما نسأله سبحانه ان يمد في أعمار ولاة أمر هذه البلاد المباركة حتى لا يحرم المعوقين من ظلهم الوارف ودوحاتهم المورقة وعطائهم الذي لا ينقطع، هذا والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
الرياض - فاكس 014803452 |