مما لاشك فيه أن الدعوة إلى الله ركيزة أساسية من ركائز ديننا الإسلامي الحنيف، هذا الدين الذي بلغ عدد معتنقيه أكثر من مليار ومائتين وخمسين مليون نسمة، وما يزال تدخل فيه يومياً أعداد كبيرة من المسلمين الجدد من مختلف الطبقات العلمية والاجتماعية من مفكرين وأكاديميين وأطباء وممرضين وعمال وغيرهم، وما كان الإسلام لينتشر هذا الانتشار الواسع والسريع عبر قارات العالم ولعقود طويلة من الزمن لولا الدعوة وأساليبها ووسائلها المختلفة قديما وحديثا، فمنذ اللحظة الأولى التي تلقى فيها عليه الصلاة والسلام الوحي والرسالة قام يدعو الناس إلى دين الله الأقربَ فالأقرب مستخفيا في السنين الثلاث الأولى، ومستعلنا صادعا فيما بعد وفق المنهج الرباني {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }- {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} وكان كل من دخل في الإسلام يعتبر داعياً فهذا يأتي بالرجل وذاك يأتي بالرجلين وآخر يأتي بأخيه أو أمه أو أبيه وهذا يأتي بأسرته وآخر يأتي بالقبيلة بأكملها وكان أول من دعا إلى الله بعد النبي أبو بكر الصديق فما لبث أن أسلم حتى جاء بستة كلهم علم من أعلام الإسلام وركن من أركانه.
وهكذا امتد الإسلام واستطار، وانتشر انتشار النور في الظلام ولاسيما بعد الهجرة إلى المدينة حيث لم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا ودخله الإسلام، (وكانت الكلمة الطيبة والبسمة، والخلق الحسن، والمعاملة الطيبة، والرحمة والرفق والحكمة، من أساليب الدعوة التي يمارسها المسلمون الأولون) والتي ينبغي أن يمارسها المسلمون عبر القرون حتى لقد كانت لديهم طبعاً من غير تطبع، وسجية من غير تكلف، يعبّرون من خلالها عن صدق إسلامهم وعمق التزامهم، بل كانت هي الإسلام العملي، كانت مقترنة بهم حيثما حلوا وأينما ارتحلوا، وكان من وسائل الدعوة التي استخدمها المسلمون الأولون الوفود والبعوث والرسائل وعقد الاجتماعات والرحلات الدعوية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الوفود والقبائل في المواسم والأسواق- عكاظ ومجنة- بل كان يدعو أقاربه فإذا اجتمعوا عليه أخذ يعرض عليهم الإسلام، وارتحل إلى الطائف ليبلغ الدعوة، وكثيرا ما كان يستخدم أسلوبهم في الإعلان عن خطر داهم أو حادث جلل فيقف على الصفا وينادي بأعلى صوته وا صباحاه وا صباحاه أنا النذير العريان حتى إذا اجتمع إليه الناس بلغهم ما أرسله الله به.
ولقد تطورت أساليب الدعوة هذه مع مرور الزمن فدخلت في خدمة الدعوة الصحف والإذاعة والتلفزيون والقنوات الفضائية، وأشرطة الفيديو والكاسيت والأقراص المدمجة والمطبوعات، والندوات والمحاضرات، والمراسلة عبر الإنترنت، واتخذت الدعوة طابعاً عالمياً من خلال الحوار واللقاءات والمؤتمرات والمنتديات الدولية، والجولات والرحلات الدعوية ولاسيما مع تقدم وسائل المواصلات؛ فكانت المخيمات التربوية والقوافل الدعوية وغيرها، ولكننا ومع ذلك كله وحتى تؤتي الدعوة ثمارها نحتاج إلى مزيد من دعاة أكفاء علماء حكماء على درجة عالية من الرقي الخلقي متقنين للوسائل الدعوية الحديثة، يجيدون لغات التخاطب ويحسنون التعامل مع الآخر، ونحتاج إلى وسائل إعلامية دعوية متخصصة ومتطورة، وشبكات إعلامية عالمية، ورجال علاقات عامة متميزين، وأن تعمل وكالات الأنباء الإسلامية، كما نحتاج إلى الاستفادة من خبرات وكفاءات ومقترحات المسلمين الجدد خاصة العلماء والمفكرين منهم، كما نحتاج إلى التلاقي الفكري والمذهبي حول وحدة الهدف والمصير ونبذ التعصب والجمود والاختلافات الهامشية وتبقى أخلاقيات الإسلام ومثله وحقائقه هي المحور في ذلك كله.
ولقد بذلت الجمعيات والمؤسسات الخيرية جهوداً دعوية كبيرة تطورت مع مرور السنين حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في وقتنا الحاضر حتى لا تجد مدينة إلا وتضم جمعيات خيرية متنوعة الأغراض تصب أعمالها في خدمة الدعوة إلى الله، ومن بين هذه المؤسسات والجمعيات الندوة العالمية للشباب الإسلامي التي تعمل منذ إنشائها في عهد الملك فيصل رحمه الله في خدمة شباب الأمة لتبني فيهم الحس الدعوي بل الممارسة الدعوية.
بالإضافة للندوة عملت أيضاًَ رابطة العالم الإسلامي ومؤسسة الحرمين وهيئة الإغاثة وغيرهم مما في بلادنا من جمعيات، عملت جميعها في خدمة الدعوة واستخدمت أساليب متنوعة في عرضها.
ولاشك أن الإسلام هو دين المستقبل لا محالة، وهو الدين العالمي الوحيد الذي يضمن للإنسان أمنه وحقوقه وسعادته، وهو دين العقل والعلم والفضيلة، إنه رسالة السماء لكل أهل الأرض، إنه رسالة الله لكل عباده وكفى بالله عليماً خبيراً.
( * ) المشرف العام على مكتب الندوة بالمدينة |