* بغداد - رويترز:
في الليلة الأولى لقصف الامريكيين لبغداد قفز شاب مذعور في الثالثة والعشرين إلى سيارة أجرة للانضمام إلى عائلته في بيت عمه في الجانب الآخر من المدينة.
وبسبب ثقب في أحد إطارات السيارة قرّر حيدر سمير ان يكمل المشوار سيراً على الأقدام.
مرقت طائرة فوق رأسه وحدث انفجار هائل أعقبه دخان وصيحات رعب. سقطت قنبلة على مبني مجاور وفقد سمير إحدى عينيه وذراعه. وشاهد الناس في مختلف أرجاء العالم صوراً من بغداد عن النيران والدمار. ولكن سمير لم ير شيئاً بعد عام من الغارة يجلس في بيته وتلمع عينه الباقية ويتذكر ما حدث بوجه خال من أي تعبير وساقه اليمنى مليئة بالشظايا.
قال وهو يتكلم في بيت عائلته بوسط بغداد حيث تحاول أمه وإخوته السبعة استيعاب ما حدث (رأيت الدخان. لم أفكر في شيء. ولم أعرف ماذا حدث.حاولت المشي.كان هناك دم وسقط ذراعي فوراً. حاول بعضهم مساعدتي. وعندما نقلت للمستشفي اعتقدت إنني مت.
إنها عيني وذراعي وساقي. سمعنا انه ستقع حرب ولكننا لم نعرف متى. والآن ماذا يوجد لنفكر فيه. ليست لدي أي أفكار عن الامريكيين أو الحرب. إنني متعب).
وتبكي أمه عند الكلام عمّا حدث لابنها الأكبر.ترملت سلوى حسن قبل الحرب بشهور وكانت العائلة تعتمد على اثنين من أولادها.. ابن يعمل حارساً في وزارة الصحة وابنة تعمل في متجر للنسخ (فوتوكوبي) بأجر يعادل خمسة دولارات في الأسبوع. قالت وهي تمسح دموعها بحجابها (عندما مات زوجي اعتمدت على أن لي ابناً. فماذا حدث له. عندما يسمع انفجاراً يصاب بالرعب. يقول انه يسمع الانفجار في أذنه طوال الوقت. كل ما يفعله هو الجلوس بالبيت والتدخين).
انتهت العمليات الرئيسية في حرب العراق رسمياً ولكن الخوف موجود.
من الطابق الثامن ببيت سلوى بدت بغداد مشمسة بينما أولاد يلعبون كرة القدم في ملعب رملي وفي ساحة انتظار كان رجال يفحصون سياراتهم بينما كانت طيور تحوم حول النخيل.
ولكن أصوات القصف والانفجارات تهز المدينة ليلاً ونهاراً. وتستهدف قنابل على جوانب الطرق وصواريخ جنوداً أمريكيين ولكنها تصيب مدنيين. والمستشفيات مليئة بالجرحى المدنيين الذين أصيبوا في صراع لم يسعوا إليه. وعائلة سلوى حسن لم تحب صدام حسين وأسعدها سقوطه. كما انهم ليسوا موالين أو مناوئين للامريكيين وغير منشغلين بالتغييرات السياسية التي تحدث في مجلس الحكم على مرمى حجر من بيتهم. ومثلهم مثل عراقيين كثيرين فانهم تعبوا من الحرب ولم يعد لهم رأي في الوضع السياسي.
سلوي تخشى القنابل ولا تعرف كيف تطعم أولادها وقلقة من انتشار الأحزاب السياسية في البلاد.
قالت (كل شيء مشوش. نخشى الأحزاب. يجب ان يكونوا معاً، أيديهم في أيدي البعض بقلب واحد. إننا بلد واحد وشعب واحد. لماذا الانقسام. سيكون الوضع أفضل بدون الامريكيين. ولكن إذا ذهب الامريكيون بدون ان توجد حكومة سيسعى الجميع للسلطة ويموت مزيد من الناس.. ثم هناك القنابل إنها مبعث خوف. إذا ذهبت إلى السوق فانني ارتعب).
وبعد عام من الغزو يعترف مسؤولون كثيرون ان واشنطن لم تكن مستعدة لإدارة السلطة في عراق ما بعد الحرب.
قتلت الحرب والثورة ضد الاحتلال مئات الجنود وآلاف المدنيين والعنف مستمر ولا توجد مؤشرات على تراجعه.
ولكن بالنسبة لعراقيين كثيرين مثل سلوى حسن (44 سنة) فان مفاهيم مثل الديمقراطية أو الحرية تكاد لا تعني شيئاً. وتكرر هي وأولادها أنهم يريدون مستقبلاً أفضل.
|