Friday 19th March,200411495العددالجمعة 28 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نوارع نوارع
إلى الشيب
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

أيها الزائر الثقيل، حللت مبكراً، فلا أهلاً ولا مرحباً، لكنني أعلم يقيناً بأنك قادم لا محالة، فأعددت نفسي للتعايش معك، رغم نفوري منك، وآليت على نفسي أن أغيب ظاهرك عن الأنظار كلما أردت أن تميط لثامك، وتطل بوجهك الكالح، رغم علمي بأنك لن تبارح. أسألك بالذي خلقك لِم هذه العجلة بالقدوم، هل هي جبلة فيك، أم هو حب به ابتليت؟ فإن كان جبلة صبرنا واحتسبنا، وإن كان حباً، فنحن والله لك من القالين المبغضين.
لقد هاجمك الأسلاف نثراً وشعراً، وقالوا فيك ما لم يقله مالك في الخمر، لكنك لم تأبه بما قالوا، ولم تلتفت إلى ما أبانوا، فظللت تطل بطلعتك البهية في وجه من قلاك، وفي رأس من عاداك، عندما يطيب لك الخروج، وتستحين الظهور والزوغ.
قال شاعرهم:


إذا الشيب مختطا بفودي خطة
طريق الردى منها إلى النفس مهيع
هو الزور يجفي والمعاشر يجتوي
وذو الألف يقلي والجديد يرقع
له منظر في العين أبيض ناصع
ولكنه في القلب أسود أسفع

وقال أعرابي:
كنت أنكر البيضاء، فصرت أنكر السوداء، فيا خير مبدول ويا شر بدل.
وقال آخر:
الشيب خطام المنية، وقال آخر: الشيب عنوان الموت، ولم يكتفِ العرب في الماضي والحاضر بذمك في ذاتك، بل جعلوك سبب نفور الغواني، وصدودهن، ولاموك على ذلك، فقالوا:


إذا شاب رأس المرء أو قل ماله
فليس له في حبهن نصيب

وقال آخر:


تعيرني بالشيب وهو وقاروا
فياليتها عيرتني بما هو عار

قال يزيد بن الحكم البصري:


فماب منك الشباب ولست منه
إذا سامتك لحيتك الخضاب
وما يرجو الكبير من الغواني
إذا ذهبت شبيبته وشاب

وقال آخر:


قالوا تبدى شعره فأجبتهم
لا بد من علم على ديباج
والبدر أبهى ما يكون إذا بدا
متلحفاً بظلام ليل داج

لكنهم رأوك واعظاً للإقلاع عن التصابي، والانصراف عن الغواني، والتوجه إلى التقوى، إما لأنك نذير عجز، وإما لكونك شاهد عقل.
قال الشاعر:


هجرت اللهو إذا عقلي
على نفسي أشار به
وحلاني حلول الشيب
كرها عن مشاربه

قال المتنبي:


ولقد بكيت على الشباب ولمتي
مسودة ولماء وجهي رونق
والمرء يأمل والحياة شهية
والشيب أوقر والشبيبة أنزق

أيها الزائر النذير:
لِم لا تكن منصفاً، فتزور بعض أقراني كما زرتني مع بعضهم، فهل اخترتنا حباً لخلة رأيتها فينا؟ أم لعلة حلت بنا؟ وهل لنا منها مخرجٌ؟ فمن قائل ان ذلك إرثٌ ورثناه من أجدادنا، ومن قائل إن ذلك عائد إلى صروف الدهر وغوائله، وتحملنا لنوائبه، ومن قائل إن قدموك المبكر، جاء تقديراً لنا لتضفي مزيداً من الوقار علينا ومهما كان الأمر فقد حللت وعلينا ان نتعايش معك.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved