Friday 19th March,200411495العددالجمعة 28 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من صدق مع الله.. أفلح من صدق مع الله.. أفلح
د. محمد بن سعد الشويعر

لئِنْ اسْتُغلّتْ الوسائل الإعلامية في الهجوم على المملكة، خاصة وعلى تعاليم الإسلام بصفة عامة، فما ذلك إلاَّ أن المملكة العربية السعودية هي قلب الإسلام النّابض ومرفأ أفئدة المسلمين حيث اكرمها الله بتطبيق الشريعة الإسلامية منذ قامت، وقدّم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - القرآن الكريم، عندما قامت الأمم المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما قدّمَتْ الأمم المشاركة دساتيرها، كوثيقة من الوثائق المهمة ضمن ميثاق الأمم المتحدة.
وقال رحمه الله بكل اعتزاز هذا هو دستورنا، فكانت حكومته هي الدولة الوحيدة التي قدّمت وبيّنت ميثاق الأمم المتحدة: بأن الإسلام دينها والقرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دستورها.
ويمكِّن ذلك ما ذكر الزركلي في كتابه: (شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز) بأن أحد العسكريين المرافقين للملك، قد أخبره بأن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في إحدى الليالي وقبل أذان الفجر، كان يتعبد الله في الحرم الشريف، ثم قام يدعو ربه واضعاً وجهه، تواضعاً لله على جدار الكعبة ويقول: اللهم إن كان في هذا خير لي وللمسلمين، فأبقه فيّ ولأولادي، وان كان فيه شر لي وللمسلمين، فانزعه مني ومن أولادي.
إنها دعوة صادرة من الأعماق سار في تحقيقها عبدالعزيز ثم بنوه من بعده بأعمال تَكْبُرُ مع الأيام، وتزيد كل عام مع الشعور بالمسئولية تجاه الإسلام والمسلمين وخدمة المواطن.
وإن الدارس والمتابع للأعمال في الحرمين الشريفين وما بذل ويبذل كل عام: خدمةً للإسلام وراحة للمسلمين وتيسيراً لهم لَيُدْرِكُ الدور الكبير الذي قامت به حكومة المملكة العربية السعودية، لا لشيء إلا احتساباً لما عند الله، وأداءً للأمانة المناطة بكل من يتولى القيادة فيها.. يبين ذلك في الأقوال والأعمال.
وما الحملة التي يقود زمامها الإعلام اليهودي، بما يبذل فيه من جهد كبير، ومالٍ وفير إلاّ رغبة في المساس بدين الإسلام لتصورهم أنه العقبة الكأدّى في سبيل إقامة دولتهم المزعومة في فلسطين وبناء الهيكل، ومن ثم يحكمون العالم كله تحت زعامة ملكهم الذي ينصبه زعماء صهيون.. كما جاء في بروتوكولاتهم، التي أحدث خروجها صدىً عاليماً في أوروبا بعدما استكشفت.. وهاهم الآن يأتون على الإسلام، في محاولة لتفكيك المسلمين، على مبدأ: ماحذّر المهلب بن أبي صفرة منه أولاده عندما امتحنهم بكسر العصي: فعجزوا مجتمعة، وسهل عليهم تكسيرها متفرقة.
ونرجو الله سبحانه أن يكون في تخطيطهم هذا يقظة لقلوب المسلمين قادة ومقودين ليدركوا دورهم نحو أنفسهم ودينهم، وأن يستفيدوا ويعملوا وفق منهج دينهم، لينعكس الأمر على أعدائهم واعداء دينهم، سلاحاً تقوى به القلوب، وتتمكن العقيدة، وفق مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومتى ابتغينا العزّ بغيره أذلنا الله.
وأجد من المناسب في هذا الأمر، من واقع تتبعي لمن أسلم وسبب إسلامه، وهي حكايات كثيرة، وشواهد كل منها تستحق الوقوف.. لكنّ واحداً من كبار اليهود في مصر، كما ذكر الداعية الإسلامي: محمد عبدالله السمان، قد ذكر كثيراً من محاسن الإسلام، قادته فيما بعد وقادت غيره إلى الإسلام، سأقتطف منها ما يتناسب مع الحيّز لهذا المقال: فهو يقول: أعجبني في هذا الدين - يعني الإسلام - أنه جاء مصدقاً لما قبله، فالمؤمن به من أهل الكتاب، لا يُقْتَلَعُ من دينه اقتلاعاً، ولا ينخلع منه انخلاعاً.. فإن كان يهودياً وجد في القرآن تمجيد موسى، ودين موسى الحقيقي، بل تمجيد بني إسرائيل الذين فضلهم الله في وقت من الأوقات على العالمين.
وإن كان نصرانياً (مسيحياً) وجد في القرآن تمجيد المسيح، ابن مريم ذلك الذي تكلّم في المهد وتمجيد أمّه بل تمجيد آل عمران جميعاً.
- كما أعجبني فيه سماحته، وهل كان يمكن إلاَّ أن يكون سمحاً كريماً، وقد اعترف بالأديان المنزلة التي تَقْدُمُهُ، ولم يبقَ إلاَّ أن تعترف به، هذه الأديان كذلك {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم} (110) سورة آل عمران
إني لأحب أن يدلني الناس على دين آخر فيه هذا التسامح، وفيه هذا البعد عن التعصب.
ثم إنني رأيت فيه ديناً وسطاً في كل شيء. وسطاً في التكليف {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } (286) سورة البقرة، وسطاً بين الدنيا والآخرة يحبب الدنيا إلى المسلم، على ألا يهيم بحبها وبنعيمها الزائل، فيلهيه عن الآخرة ونعيمها المقيم {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (32) سورة الأعراف {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} (15) سورة الملك.
كما ألفيته دين مساواة مطلقة لا يحدها حدّ، تتجلى في مثل قصة جَبَلَة بين الأيهم أمير غسان، حين وفد إلى المدينة، فوطأ أعرابي طرف ردائه، فلطم جبلة الرجل الفقير لطمة تخرج أنفه، فيطلب عمر من جبلة أن يُرْضي الأعرابي وإلاَّ أمرته بأن يجدع أنفك كما جدعت أنفه، فلما تنكر جبلة هذا وهو ملك والأعرابي سوقي؟ قال عمر: إن الإسلام سوى بينكما.
ثم هل أنا في حاجة إلى أن أقول لكم: إني وجدت الإسلام دين اشتراكية حقة، تقوم اليوم وسطاً بين الرأسمالية الجامدة، والشيوعية الجاحدة؟.
إنها اشتراكية يسندها ركن ركين من أركان الدين، وهو ركن الزكاة.. وحذار أن يستهين مستهين بهذه الفريضة التي تبين أول خليفة من خلفاء المسلمين أهميتها البالغة، فأصر على قتال مانعي الزكاة خشية أن ينهدم أصل من أصول الدين.
- ووجدته كذلك دين سياسة رشيدة، لا يعلو فيها الحاكم لأنه حاكم، ولا يذل المحكوم لأنه محكوم، يقول عمر بن عبدالعزيز في خطبة له مشهورة: أيها النّاس أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.
والأصل في ذلك الشورى التي أمر بها هذا الدين { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (38) سورة الشورى. وإن كان الإسلام لم يضع لها نظاماً تفصيلياً فقد ترك ذلك لاختلاف الزمان والمكان قد استخلف أبوبكر باتفاق بين كبار المهاجرين والأنصار، وكان عمر يستشير الكبار من المسلمين في كل أمر يهم المسلمين، ولم يجد له نصاً من القرآن يعمل بموجبه، ويأخذ بأرجح الآراء.
وأحببت هذا الدين، لأنه دين عربي: وأنا بعدما تعلمت العربية، كنت عربياً بلساني، وبعاطفتي، وفهمت ما في القرآن باللغة العربية، والإسلام لُبّ العروبة كما أنّ العروبة خدمت الإسلام وفي الحديث (اذا ذل العرب ذل الإسلام)
ولن أنسى رجلاً رأيته يبيع الفاكهة على عربة يدٍ في باريس، فما إن حدثته بالعربية، حيث عرفتُ من لهجته أنه جزائري، حتى أقبل عليَّ يعانقني وكأني من بعض أهله: ثم أبى أن يأخذ مني ثمن ما اشتريت، وكان بعض مئات من الفرنكات، مع أنه فقير وأنا اقدر، فأصر في عزة وكرم، وتركني حائراً في أمر هذه الرابطة العجيبة التي أنعم الله بها على المسلمين (لماذا اسلمت لمحمد السمان ص 40-45) باختصار هذه الأمور دخلت قلبه فأسلم.
هذا هو الإسلام كما قال أحمد الشرباصى في كتابه: وسائل تقدم المسلمين: ليس الإسلام أن خانة الديانة في شهادة الميلاد: مسلم. أو أن اسمي محمد أو أحمد، ولا أن انطق بالشهادتين دون علم، وإنما هو: وجدان بالقلب وعقيدة بالعقل، وعمل بالأوامر الشرعية كما جاءت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بصدق وإخلاص.
ثلاث خصال
جاء في كتاب: مقالات الأدباء ومناظرات النجباء لعلي بن هذيل: أنّ رجلاً من بني إسرائيل صاد قنبرة، فأراد أن يذبحها، فقالت له: لا تذبحني فليس فيَّ ما يشبعك، وإن مننت عليّ وأطلقتني علّمتك ثلاث خصال، خيراً من ملء الأرض ذهباً، قال لها: هاتي: قالت: أعلمك واحدة وأنا في يدك، وأخرى إذا صرت في رأس النخلة، والثالثة إذا صرت في رأس الجدار، قال لها: رضيت: قالت: لا تصدقني بما لا يكون أن يكون، فأطلقها. فعلت على النخلة، ثم قهقهت وصفرت، وقالت: يا مغرور لقد غررتك.
أما أنك لو ذبحتني لاستخرجت من حوصلتي درتين، وزن كل منهما عشرة مثاقيل، ثم قال لها: فعلميني الخصلة الثالثة إذن؟ قالت: وكيف ذلك، وقد ضيعت ما فيه غناؤك إلى آخر الدهر، فتلهف الرجل واسترجع فوتهما.
قالت: ماذا تريد وقد نسيت الاثنين اللتين علمتك. فقد قلت لك: لا تصدقني ما لايكون أنه يكون، فصدقت أن يكون في حوصلتي درتان زنتهما عشرون مثقالاً، ولو وزن لحمي وريشي كله لما بلغ ذلك.
وقلت لك: لا تأسف على ما فات، ثم تأسفت على فوتي من أجل الدرتين، والله لا أعلمك الثالثة أبداً، ثم طارت وتركته (ص74) وفي مكان آخر قال:
قال الأصمعي: قال لي الرشيد أول يوم عزم فيه على تأنيبي، يا عبدالملك أنت أحفظ منّا، ونحن أعقل منك، لا تعلمنا في ملأ، ولا تسرع إلى تذكيرنا في خلاص واتركنا حتى نبتدئك بالسؤال. فإذا بلغت من الجواب قدر استحقاقه فلا تزد، وإياك والبدار إلى تصديقنا، وشدّة العجب بما يكون منّا، وعلّمنا من العلم ما نحتاج إليه على عتاب المنابر، وفي فواصل المخاطبات، ودعنا من رواية حواشي الكلام، وغرائب الأشعار، وإيّاك وإطالة الحديث، إلاَّ أن يستدعي ذلك منك، وما رأيتنا صادفين عن الحق، فأرجعنا إليه، من غير تقرير بالخطأ، ولا اضجار بطول الترداد، قال الأصمعي: فقلت له: أنا إلى حفظ هذا الكلام، أحوج مني إلى كثير من البرّ (ص186).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved