لقد حاولت في حديثي الاجابة عن هذا السؤال، هل الوضع الطبيعي ان يرسم خط نهضة المرأة العربية على أساس ان عملها خارج البيت ضرورة لا مفر منها؟ وهل تتجه نهضتنا الى تكريس الجهود لتمكن المرأة من الاحتراف؟ لأنها على قدر ما تتقدم في هذا الميدان تكون سعادة المجتمع وسعادتها.
قبل الإجابة لنكن صرحاء مع أنفسنا يا عزيزي القارئ الكريم، ولا بد من ان نحدد بعض نقاط فرعية لها كل الاثر في تصور الموضوع، ماذا نقصد بعمل المرأة؟! أوليس عمل المرأة في بيتها عملاً أيضاً؟ ان احصائيات العمل في كل البلدان تعتبر المرأة العاملة في البيت امرأة عاملة وتضعها في صنف العاملات، وتفرد لها الاحصاءات الخاصة بها وان كانت تنقص على ان هذه المرأة من العاملات عملا غير مأجور، وتدل الاحصاءات على ان ربة البيت تضم أكثر من 85 بالمائة من النساء في أكثر البلدان تقدما، وقد يكون سبب هذه النسبة المرتفعة ان المرأة العاملة كثيرا ما تجمع بين العملين ربة البيت والمهنة المأجورة، وهذه الطائفة، طائفة ربات البيوت، لها خطرها الأكبر في محيط العمل، والتنبه لخطورة هذه الطائفة يزداد، فهن الغالبية العظمى بلا أدنى شك. والعناية بربة البيت وافساح المجال لتؤدي دورها من سمة الرقي في الامم المختلفة شرقية وغربية، ولكنا قبل ان نفيض في ذلك لا بد من تذكر قيد بسيط وهو ان ربات البيوت في الريف غيرهن في المدن، ولكن المرأة المشتغلة في الريف تجمع بين الامرين في تمازج سليم، ذلك ان منتجاتها لا يستهلكها بيتها وحده وإنما هي كثيرا ما تبتاع في سوق القرية، وتجلب الكسب الذي يعود على بيتها بفوائد مادية.. وحتى ربة البيت في المدينة يختلف عملها في البيت كمّاً ونوعاً باختلاف طبقتها، ومن هنا كانت مهنة ربات البيوت، وان اشتركت في كثير من أنواع العمل، فإنها تختلف من حيث ما تقوم به المرأة بنفسها ومباشرة, وان لا بد لنا في حديثنا بحق المرأة وموقفها من المجتمع ونهضتها من ان نلاحظ هذه الفروق الواضحة بين أحوال المرأة في الريف والحضر, وكما كان المؤرخون كثيرا ما يقعون في الخلط والخطأ اذا هم تحدثوا عن المرأة العربية في القديم, دون التفرقة بين أحوال القيان والحرائر في تصويرهم لأحوال المرأة عبر هذه العصور, فكذلك نخطئ في احكامنا كثيراً إذا تكلمنا عن المرأة ولم نفرق بين أحوالها في الريف وأحوالها في الحضر, فالمرأة في الريف شبه سافرة، لقد لاحظت ذلك وأنا أعمل في حقل التدريب المقدس في قرانا العربية من أودية وشعابها في مكة المكرمة, وهي متحررة من ناحية العمل فعلا, وتشارك في البيت وفي الحقل, وهي لا تحتاج الى نهضة ورقي بالمعنى الذي تحتاج اليهما المرأة في الحضر، انها ذكية وفية مخلصة, وإنما هي تحتاج الى ما يلائم أحوالها من حاجات أساسية لا بد منها، كتيسير العلاج، ومحو الأمية، ونحو ذلك مما هو أساسي وضروري لنهضة ذات الخمار بالمعنى الصحيح الأصيل الموجود في الريف السعودي وفي القرى بالذات, فما زالت الريفية البدوية في السعودية بالنسبة للحضرية في موضوع العمل أكثر تحرراً, وعملها ينظر اليه في بيئتها على أنه أمر طبيعي واجب.
|