حينما تقرأ المقالات العلمية خاصة تلك المتعلقة بالمجالات الطبية أو الحاسوبية، تجد أن معظمها إن لم أقل جميعها يورد إحصائيات عن مجتمعات أجنبية، فتجد كاتب المقال يقول: إن 10% من الأمريكيين يفضلون كذا أو أن 11% من البريطانيين يخافون من كذا، ولو تمعنت المقال لوجدته مقالاً تثقيفياً وليس إخبارياً أي بالإمكان التصرف فيه وتناول إحصائيات محلية وما أكثرها لدينا، فلما لا يتم استخدامها لنفهم ما يدور بمجتمعنا ومن ثم فهم أنفسنا بشكل أعمق بدلا من تقديس كل ما يأتي من الخارج حتى لو لم يكن مفيداً ولا يهم القارئ في شيء، وأنا حين أقول هذا الكلام لا أقصد الانعزال والتقوقع على الذات ولكنني أريد أن يكون لنا حضورنا على الأقل أمام أنفسنا بعد أن غيبنا ذواتنا عن الغير بإرادتنا وأظهرناها بمظهر الجاهل المتلقي لما يقال وينشر فقط دون مبادلة الآخرين ما يصلنا منهم عن طريق المقايضة على الأقل، فكما تصلنا منهم معلومة عن بلادهم يجب أن نقول لهم إليكم معلومة عن بلادنا أيضا لا أريد أن أكون متفائلا فأطالب بالمساواة في تبادل الخبرات - مع أن هذا حق مشروع لنا - ولكن أقول فلنبدأ على الأقل بمقايضتهم عن كل خمس معلومات نتعلمها عن مجتمعاتهم بتزويدهم بمعلومة واحدة عن مجتمعنا، ثم إن مجتمعنا يزخر بالعديد من الإحصائيات التي عملت وصرف عليها الكثير من الجهد والوقت، بالإضافة للعديد من المجالات التي تستحق الدراسة العاجلة وعمل الإحصائيات حولها, وقد اطلعت مؤخراً على كتاب يتحدث عن آراء الكتاب السعوديين حول الحرب على العراق - وحقيقة هذا الكتاب يعد أنموذجا فريدا لعمل الإحصائيات فيه من الدقة الشيء الكثير وبإمكان أي شخص يريد معرفة آراء وتوجهات الكتاب السعوديين عن تلك الحرب الرجوع إلى ذلك الكتاب، وأنا حين أقول هذا الكلام ليس من باب الدعاية أو المجاملة لمن قام بذلك العمل، ولكنها الحقيقة ورد الجميل والعرفان لمن قدم عملا إبداعيا يخدم هذا الوطن وأهله ويسد فراغا كان من الممكن أن يقوم باستغلاله أناس لهم أهدافهم ومقاصدهم الخاصة، وحقيقة أتمنى ان تقوم أحد المعاهد المتخصصة في هذا المجال بدراسة فعلية ميدانية حول المجتمع السعودي وتعطينا بعض الجوانب الغامضة عنه, فعلى سبيل المثال النسب الفعلية لمدمني اقتناء الجولات وتغييرها بين الحين والآخر، ومرتادي المقاهي من صغار السن، والمتأثرين بالإعلانات التجارية، ومدمني ومستخدمي الإنترنت من الجنسين، والنسب الفعلية للمدخنين في مجتمعنا من الجنسين، ومتابعي القنوات الفضائية والبرامج المفضلة لديهم، ونسبة مشاهدي وممارسي الرياضة من الجنسين، مدى التعلق بالنجم المفضل سواء كان رياضياً أو فنياً أو غيره، التفاعل مع القضايا المتعلقة بالمجتمع والمؤثرة فيه كقضية الإرهاب أو الفقر أو المخدرات، وغيرها الكثير من القضايا التي يجدر بنا أن نطرحها لنرى الوجه الآخر لمجتمعنا في بلادنا وتجري بين الفينة والأخرى يلحظها من يتعمق في بواطن الأمور، خاصة تلك الدراسات التي تجري في العيادات الطبية، فطبيعة الأسئلة الموجهة وطريقتها ومحاولة الخوض في بعض التفاصيل ودقائق الأمور تتم عن شخص يريد الوصول لحقائق علمية وإجابات يمكن الأخذ بها إذا اجتمعت لتشكل مرجعية علمية يؤخذ ويستشهد بها عند الحاجة، ثم أريد ان أركز على جانب في غاية الأهمية عند عمل الإحصائيات وهو تجنب المثالية من الطرفين المجيب من تجرى عليه الدراسة ومن يقوم بها، فبعض الاخوة لا يعطي إجابات حقيقية عن نفسه حين يوجه إليه سؤال يتعلق بما يفضله أو بما يكرهه فتجده يعطي إجابات غير نزيهة تؤثر على الدراسة وتحول دون تحقيق الهدف منها، وكذلك الحال على من يقومون بعمل تلك الدراسات، حيث تجدهم يستميلون الأشخاص محل البحث أو الدراسة وتحفيزهم على الإجابات المثالية أو التغاضي عن بعض الإجابات السلبية لاعطاء نتائج مرضية لمن يطلبها وهم في هذه الحالة يعطلون الدراسة عن بلوغ الغاية التي عملت من أجلها وهدفهم من وراء ذلك إما محاولة تقديم نتائج تقر بها أعين طالب الدراسة وأحيانا المحاولة في إظهار مجتمعة وبلده في صورة إيجابية أمام الآخرين، وهو بهذا التصرف إنما يسيء لمجتمعه من حيث لا يدري ويعطي نتائج ربما تصرف أنظار المهتمين والقائمين والمسؤولين عن المجال الذي أجريت عليه الدراسة من معالجة القصور الموجود والذي كان بالإمكان تلافيه واصلاحه في حينه قبل أن يستفحل في حال لو قدمت نتائج حقيقية كما هي على أرض الواقع.
|