يدعي المتجرئون على الخروج عن المألوف في تناول بعض القضايا الحساسة على تمسكهم بالثوابت وهي كلمة محدثة ليس لها ضابط يحكمها، أو كما يقول الفقهاء ليس لها تعريف جامع مانع متفق عليه بحيث يمكن اعتبار من يتناول موضوعات خارج نطاق هذا التعريف لم يمس بالثوابت وهنا يمكن أن يقبل طرحه وإن كان شاذاً غير مألوف لأنه يتحدث في أمور قابلة لاختلاف وجهات النظر.
لكن الملاحظ أن البعض من المتعجلين للانفتاح قصروا هذه الثوابت على أركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان الستة وما عداها فهي ليست من الثوابت مما يترتب عليه إباحة تناول الكثير من المسَلَّمات ومما هو معلوم من الدين بالضرورة بالحديث بشكل يناقض الدين مما يترتب عليه أمر خطير وهو ظهور الاتجاه المضاد لهؤلاء بتكفيرهم وفقد الثقة بالجهات التي تُطرح عن طريقها أفكارهم كالمؤسسات الصحفية والقنوات الفضائية وما في حكمها من وسائل المعرفة والإعلام.
إن من أخطر الأمور التي تسبب الفرقة والتقاذف بالاتهامات هو تناول موضوعات بدافع الهوى لأغراض دنيوية أو دنيئة متجردة من إخلاص النية لله تعالى وتحمل أمانة الكلمة التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها أشد تحذير حيث الكلمة التي قد لا يلقى الإنسان لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً وكما في قصة حديث معاذ رضي الله عنه حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم وهل يكب الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.
إن كل ما هو معلوم من الدين بالضرورة أنه حلال فهو من الثوابت التي لا يجوز الحديث بتحريمها وكذلك كل ما هو معلوم من الدين بالضرورة أنه حرام فلايجوز الحديث عنه بالتحليل نعم هناك أمور مختلف فيها ولايترتب على الأخذ بأحد الرأيين تكفير ولا تفسيق كمسائل الفروع في العبادات ونحوها مما هو معلوم لدى الفقهاء والمختصين من أهل العلم، علماً بأن هناك أموراً لايسوغ للعالم كشف حقيقة الخلاف فيها للعامة لما يسببه ذلك من تشويش عليهم حيث القاعدة الشرعية المعروفة (حدثوا الناس بما يعقلون أتريدون أن يكذب الله ورسوله). ولا يتصور الاخوة غير المختصين بالعلوم الشرعية أنهم يستطيعون بسهولة أن يستوعبوا حقيقة الخلاف بين العلماء أو بين المذاهب الفقهية لأنها مبنية على أصول وقواعد فقهية وأصولية ليس من السهولة إدراكها دون دراسة مستفيضة ومزاحمة بالركب في مجالس العلماء وربما أدرك هذا من طلب العلم الشرعي من الاخوة الأطباء أو المهندسين أو غيرهم من أصحاب العلوم التطبيقية ومن أراد أن يختبر نفسه فليقرأ كتاب (الأشباه والنظائر) لابن نجيم أو كتاب (الرد على المنطقيين) لابن تيمية رحمهم الله تعالى.
إن الأمر الذي ندعو إليه عبر هذا المقال هو التعقل ومراقبة الله تعالى في الطرح العلمي حيث إن الطرح الشاذ لا ينال الإنسان منه إلا الإثم والمقت من عقلاء المجتمع، ويخطئ من يسلك مسلك الإثارة أو بمعنى آخر (شوفوني يا ناس) على حساب دينه وسمعته والنهاية {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال الصالحة.
|