* بعقوبة - رويترز:
قبل عام كان مزهر العزاوي عقيداً في الجيش العراقي، وحاول دون جدوى وقف زحف القوات الأمريكية باتجاه بغداد. والآن يشعر بالمرارة بعد انضمامه لجيش من العاطلين. قال وهو يتحدث من بيته في بعقوبة على مسافة 65 كيلومتر شمالي بغداد: لم تكن لدينا أي فرصة للنصر، كان الجيش منهكاً، وبعد سنوات من العقوبات لم تكن لدينا أسلحة.. الأسلحة التي كانت لدينا كانت قديمة. ومضى قائلاً: لا أملك شيئاً الآن.. كل ما أفعله هو الجلوس هنا.
زحفت القوات الأمريكية من الكويت في 20 من مارس في العام الماضي، وبحلول التاسع من أبريل/ نيسان أطاحت بصدام حسين. وعندما لاحت الحرب أعاد العزاوي عائلته إلى قريته، وانضم لوحدته في الكوت جنوب شرقي بغداد. ومع تقدُّم الأمريكيين تحرَّكت وحدته شيئاً فشيئاً باتجاه العاصمة. يقول العزاوي (44 سنة) الذي يحمل وجهه ملامح صارمة وشارباً كثًّا: إنه كان يتوق إلى مواجهة الجنود الأمريكيين، ولكن لم تكن لديه فرصة للقتال؛ لأن الجيش العراقي انهار وسادته الفوضى. قال: انهمرت القذائف على الحرس الجمهوري، وانتهى بنا الأمر في مطار بغداد. كانت المقاومة شرسة ضد الأمريكيين، ورأيت مقتل عدد كبير منهم. ولكنني أدركت أننا لا نستطيع هزيمة قوة عظمى تتسلح بأسلحة متقدمة. وبعد أيام انتهى كل شيء. قال العزاوي: قادتنا اختفوا بعد يومين أو نحو ذلك.. هربوا. كنا لا حول لنا ولا قوة. كان واجبنا محاربة الكفار، لكننا خُذلنا.
كان العزاوي يستمتع بحياته العسكرية في ظل صدام وسط كل ما كان يحيط بمنصبه من منافع ومميزات. قال: كنا نحصل على رواتب مجزية وحوافز سخية.. مساكن رخيصة وسيارة. والآن ضاعت البلاد، ولا أعتقد أن الأمريكيين سيرحلون. وفكَّك بول بريمر رئيس الإدارة المدنية بالعراق في العام الماضي الجيش العراقي، وأصاب أكثر من 400 ألف شخص بالبطالة. ويقول مسؤولون أمريكيون: إن عدداً كبيراً من الضباط السابقين المتذمرين انضموا إلى صفوف المقاومة. ورفض العزاوي الإجابة على سؤال عما إذا كان يريد قتال القوات المحتلة مرة أخرى، ولكنه يقول بمرارة: إنه بعد 24 عاماً من العمل في الجيش العراقي، والقتال في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، والاشتراك في غزو الكويت في عامي 1990 و1991 لم يعد لديه المزيد لإثبات ولائه. وبعد احتجاجات عنيفة قام بها ضباط وجنود سابقون العام الماضي وافقت الإدارة الأمريكية على منح بعض الضباط السابقين معاشاً. وقال العزاوي: إنه يحصل على معاش مقداره مئة ألف دينار عراقي (75 دولاراً) شهريًّا. ولكن ولَّت أيام المنح والسيارات التي كان يحصل عليها العسكريون في عهد صدام؛ ثمناً لولائهم. وقال العزاوي: إنه يعول ثمانية أطفال. ومضى قائلاً: صدام ارتكب أخطاء، ولكنه كان قويًّا، ولهذا أحببناه.
ولكنه ذهب الآن. وبعد أن كان العزاوي مثار خشية مَن حوله في الماضي بات الآن خائفاً. يخشى أن يستولي الأمريكيون على بيته الكائن بأحد المجمعات العسكرية السابقة، وأيضاً من كونه ضابطاً سابقاً في جيش صدام. يقول وهو يحتضن أحد أبنائه: بإمكان أي جندي سابق لم يكن يحب ضابطه أن يبلغ الأمريكيين أن هذا الضابط كان مقرَّباً إلى صدام، ويعمل الآن مع المقاومة، فيقبضون عليه.
ومضى قائلاً: أي وضع هذا الذي نعيشه الآن؟! ليس من مصلحتنا إثارة مشاكل؛ إذ إن هذا سينتهي باعتقالنا وترك أهلنا بلا عائل. وتقع بعقوبة فيما يطلق عليه اسم (المثلث السني)؛ حيث تركزت أغلب أنشطة المقاومة ضد الاحتلال.
|