*رؤية - عبدالله بن محمد العطني :
لقد وجدت في النفس توقاً للحديث ورغبة ملحة في أن تسجل أحاسيسها حول هذا الإبداع خواطر مكتوبة ممثلة في هذه السطور لأشيد - بداية - بالأوبريت نصاً ومعنى وأثني على قائله لما أهداه إلى هذه البلاد العزيزة وأهلها الكرام من لوحات ستبقى محفوظة في قلب كل مواطن تفيأ ظلال هذا الوطن وتكنفه حماه الكريم.
على أنني لا أزعم بأن في مقدوري أن أوفي هذا الإنجاز العظيم حقه من الثناء، كلا ولن أفارقه مستوفياً لمحاسنه ذلك لأن هذا الإبداع الرائع يجل عن كل إحاطة ويسمو على كل إطراء لكنني سأسجل خواطري من خلال الآتي:
لقد بدأ الأوبريت - في اللوحة الأولى - بداية موفقة لا بد من ذكرها ولا مندوحة للمحب لوطنه عن إثباتها. إنها بداية تمثلت في مناجاة الوطن ومناداة هذه الدار التي عشقها الشاعر فكانت هي إلهام مغناه ودوحة شعره وهو لا يحيد في ذلك عن قول القائل:
بلادي لا يزال هواك مني
كما كان الهوى قبل الفطام
أقبل منك حيث رمى الأعادي
رغاماً طاهراً دون الرغام
إنه يجعلها مناراً للفكر وفناراً للعلم ليثبت لها السؤدد، ويدل على عظمة هذه الدار، فهي منبع القيم خلقاً ومروءة، وموئل الدين الحنيف، ومنبت الأبطال أرومة وانتساباً:
دار يا منبع شغاميم الرجال
يا عرين الأسد والأصل النبيل
يا منار الفكر في بحر الضلال
يا فنار العلم والدين الفضيل
إن الشاعر الأمير لا يفارقه صدق الإحساس. وفي كل لوحات الأوبريت بأنه هو المعني بقول الشاعر:
أنا ابن الذي استرضع المجد فيهم
وقد ساد فيهم وهو كهل ويافع
مضوا وكأن المكرمات لديهم
لكثرة ما أوصوا بهن شرائع
ويعرج - بالطبع - على ذكر لأولئك الأسود مسلسلاً تعاقبهم مواكباً صولاتهم وجولاتهم، ويبدأ من كل بيت بمناجاة هذه الدار ليسائلها ويستنطقها عسى أن تخرج عن عجمتها فتبوح له بمكنون سرها وتحدثه بما كان من أولئك الصيد الأشاوس، فهي - دون شك - التي عايشت مسيرتهم وخبرت فضلهم ورعت طموحاتهم:
اسألي رمل الصحاري والجبال
واسألي وادي حنيفة والنخيل
واسألي سمر عطيبات طوال
واسألي حد الجنابي والصقيل
إنه يذكر الدار - وهي الواعية لما يقول - بكل معالمها وتضاريسها وربوعها، فهي الشاهدة على مآثر أولئك ونبل فعالهم بادئاً بأولهم وهو الإمام محمد بن سعود طيب الله ثراه فقد هبّ لتأسيس هذه الدولة ولسان حاله يقول:
لا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا
ولا ينال العلا من قدم الحذرا
ومن أراد العلا عفواً بلا تعب
قضى ولم يقض من إدراكها وطرا
وهو يذكر جهوده لتأسيس هذه الدار ونصرة هذا الدين الحنيف ومناصرة دعوة الشيخ الجليل محمد بن عبدالوهاب رحمه الله للعودة إلى تعاليم الدين الخالص المتمثل في عقيدة التوحيد، وكانت عبارات الأوبريت موفقه كل التوفيق سبكاً ودلالة:
من سقاها في الوغى دم زلال
يوم ثار العج واحتد الصهيل
(محمدين) استشعلوا روح النضال
في سبيل الله ويانعم السبيل
من تعاهد فيك وافين الخصال
والوصل مابيننا حبلة جليل
لقد ردت الدار هنا ولم تكن كدار النابغة التي قال فيها:
وقفت فيها أصيلالاً أسائلها
أعيت جوابا وما بالربع من أحد
وجاء ردها مقراً بالفضل ذاكراً وشاكراً بعد شكر الله سبحانه وهل تنكر الدار ذلك الإمام الهمام محمد بن سعود او تجهله وهو كما قيل:
حليف ندى يأوي الى بيت سؤدد
رفيع الذرا والسمك عالي الدعائم
كلا، ولن تنكر او تجهل ذلك الشيخ الداعية ايضاًَ محمد بن عبدالوهاب فهو كأنه المراد بقول الشاعر:
إذا اختلفت سبل الرجال وجدته
مقيماً على نهج من الحق واضح
ويواصل الاوبريت معايشته للأسد في عرينها ليلتقي الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود «مؤسس الدولة السعودية الثانية» رحمه الله ويواصل ايضاً مناجاته للدار:
اسألي «حمر الطرابيش» الجثال
عن عميل دار في كف العميل
يوم الأجرب يعتلي روس الرجال
والقرامة تشفي القلب العليل
يوم تركي أرخص بروحه ونال
واسترد الحق والعايل ذليل
والامير الشاعر في رائعته هنا انما يريد من مساءلته للدار ان يسجل مآثر لاتنسى وبطولات لايجحد فضلها في بناء هذا المجد وتأسيس هذه الدولة العزيزة ومقارعة خصومها الطامعين فيها ثم حمايتها من كل عدوان.
ويمضي الاوبريت بنا بل نمضي معه لنلتقي ليثاً من ليوث ذاك العرين انه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية رحمه الله:
اسألي تاريخ دربين الفعال
أربعين فعلهم ما له مثيل
قادهم حر عليه الضيم طال
ماهناه العيش في ضف القبيل
والقرامة تشتعل منه اشتعال
لايهاب ولا يلين ولا يميل
ذلك أخو نوره عديم في الرجال
حنكته وسياسته شيء يهيل
انه دور بطولي لايقل عن ادوار من سبقوه، فكل آخذ من المجد بنصيب، وكل بالغ ببطولته مايفخر به الفخر، والابيات السابقة واضحة الدلالة، ناطقة بكل ما يحمد به خيرة الرجال، حتى انها لاتدع لنا سبيلا عن الترديد مع القائل:
يا أيها الملك الباني لدولته
ذكراً طوى ذكر اهل الارض وانتشرا
ظنوا تأنيك من عجز وما علموا
أن التأني فيكم يعقب الظفرا
ويأخذنا الاوبريت الى معايشة لحظة الانتصار والى سماع صوت المنادي:
قام المنادي فوق عالي القصر يصرخ وقال
الحكم لله ثم للي بالصمايل خذاه
عبدالعزيز اللي دعا ربه وحصل ونال
والنعم بالداعي وكل الحمد للي عطاه
وربما كان الافضل لو بدأت كلمة «يصرخ» هنا بكلمة «يصدح او يصدع» وتكمل بقية الابيات ذكر فضل هذا الملك الهمام وعماد حكمه واساس دستوره ويرحل الملك عبدالعزيز عن هذه الدنيا مغفورا له، ونظل مع المملكة واهلها نقول:
سقى عهده في كل ممسي ومصبح
دراك الغيوم السانحات البوارح
مضى غير مذموم وأصبح ذكره
حلي القوافي بين راث ومادح
وفي اللوحة الاخيرة مازلنا في عرين الاسد مع شاعرنا الامير خالد بن سعود الكبير فقد اغتذت الاشبال زاد المجد، فيفعت وتقوى الله زادها، وحب المملكة وردها ومرادها، والاخلاص لأهلها دأبها شأنها، اجل انهم ابناء عبدالعزيز:
وابتدى مجد جديد
كمل المجد التليد
ويذكر الاوبريت ابناء الملك عبدالعزيز خاصاً بالذكر خادم الحرمين الشريفين:
واليوم يادار رايدنا
ميدان الامجاد ميدانه
الفهد منا وقايدنا
اليوم حاضنك باحضانه
هو فخرنا هو سنايدنا
هو خادم البيت وأوطانه
عمودنا لو تمادينا
واخوانه الصيد اعوانه
كما يشيد باخوته جميعهم، فهم اهل لكل فضل «يذكر الملوك سعود وفيصل وخالد رحمهم الله ثم يذكر ولي العهد الامير عبدالله، والنائب الثاني الأمير سلطان» فخصالهم حميدة وآراؤهم سديدة، انهم تماماً كما قال الشاعر:
أصاغرنا في المكرمات أكابر
اواخرنا في المأثرات أوائل
بل كأنهم المعنيون فيقول من قال:
اولئك قوم ان بنوا احسنوا البنا
وان عاهدوا أوفوا وان عقدوا شدوا
وان كانت النعماء فيهم جزوا بها
وان انعموا لاكدروها ولا كدوا
وبذلك حق للمملكة ان تكون بهم ومعهم كما ختم الامير خالد رائعته «عرين الأسد» بقوله:
المملكة تاج الديار
صارت لدين الله منار
هذا وقد رأيت هنا ان اسجل خاطرتين اختم بهما مواكبتي لاوبريت «عرين الأسد» ألاوهما:
ان اللوحات الثلاث الاولى قد ختمت بابيات جاءت مخالفة لوزن ما سبقها لكنها اضافت لازمة بدت تتويجاً لما اجيب عنه من تساؤلات «في مناجاة دار العز» فكان ان شكلت خلاصة رائعة تبرز مأثرة ختمت بها كل لوحة.
أما اللوحة الاخيرة فجاءت مغايرة لتغاير العهد وتنوع المنجزات وابرزت في تماثل جميل وصادق بعض مكارم الأسد الأبناء.
ولا يفوتني ان اذكر بإعجاب، انسياب المعاني في تسلسل وترابط وتناغم الكلمات في توافق مع وزن شعري مختار اختياراً جميلاً حيث امتداد النفس «نهاية كل بيت بالقافية المسبوقة بالمد» وكلمات الاوبريت واضحة قد آلفت بين الفصحى والعامية فجاءت حسنة الاختيار، سهلة المأخذ، صادقة التعبير، فلا غرو ان يشدو بها كبار الفنانين في بلادنا الغالية.
ختاماً كانت هذه خواطر سجلتها وأستميح الأمير الشاعر فيما عرض من قصور، فالأعمال الخالدة فوق كل ثناء وتجلّ عن وصف لا يحيط بدقائقها وإيحاءاتها لكنها كلمة عرفان ووقفة وفاء لمن وفى وكفى، وليس لي إلا ان اقول: