Tuesday 16th March,200411492العددالثلاثاء 25 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الكفالة أولها شهامة وآخرها ندامة الكفالة أولها شهامة وآخرها ندامة
علي بن عبدالله الحسين - بريدة

كنت له زميلاً في العمل ندرس سوياً في مدرسة واحدة ونتجاذب الحديث فيما بيننا, أستأنس بقربه نتبادل الزيارات المنزلية. نلتقي صباحا ومساء.
ودارت الأيام وفرقتنا فاختلفت مواقعنا وصارت اللقاءات تتباعد فالاجسام بعيدة ولكن القلوب قريبة.
فالهاتف هو الوسيلة الوحيدة الذي يربط تواصلنا وبعد سنوات من الفراق رأيته بمناسبة وقد تغيرت ملامحه فلم أعرف شكله حيث اصبح بعد البدانة نحيفاً يميل إلى السمرة يده اليمنى ترتعش بداية لم أصدق أن هذا الشخص هو زميلي وصديقي لكنني تأكدت من نبرات صوته.
ومن الكلمات المصطلحة فيما بيننا عند لقائنا من ذكرياتنا السابقة. كان يسألني عن باب الحكاية في القواعد النحوية وعن الأسماء الخمسة وأخيهما السادس (الهن) لأنني أدرس اللغة العربية وكنت أسأله عن خمسة في ستة كم فيها؟ لأنه يدرس مادة الرياضيات. ذكريات مازالت عالقة في الأذهان. تداعت المعاني ظهرت صورته أمام عيني. أيام كان في قوته وشبابه سألته كيف حالك قال لي: (مثل ما أنت تشوف) قلت له: بصراحة حالتك لا تسرني ولا تسعدني فما هي الأسباب؟ فأصبح يجرها ونة على ونات ثم بدأ يردد بيتي من قصيدة لي قائلا:


أجره ونتي ونات
وأقول الله يفرجها
فلا ضحكة ولا بسمات
وحالي من يعالجها

فلما سكت. ذرفت دموعه فقلت له ان الأمر العظيم فما هو السبب؟ لو تكرمت!! فقال أنا مصاب بالضغط والسكر بسبب أنني كفلت شخصاً كفالة غرامية وكنت أعتقد أنه يستحق التضحية والتقدير والاحترام.
فالرجل كان من ضمن الحاضرين في ليلة من الليالي مع الشلة نلعب الورقة (البلوت) وأنا انتظر دوري التفت إلي وقال بصوت خافت: يا بو فهد أريد منك الفزعة وأنت صديق وفي وابن حمولة فقلت له: (لبيه) فقال: (أنت يا بو فهد قدها وقدود) فقلت له: (ابشر يا وجه الخير والذي تريده على العين والراس).
فقال: الذي أريده (توقيع كفالة) (بس لا غير) تواعدنا مساء واجتمعنا في بيته وشربنا الشاي ثم ذهبنا إلى شركة التقسيط ونحن نسير في الطريق كان يردد عبارات مختلفة يقول: (صراحة انت راعي نخوة) وفيك شهامة.
وأنت صديق وفي.. وهلم جرا من العبارات العسلية التي جعلتني أشعر بأن وزني قد زاد ذلك اليوم لأنني أحسست بفرح لم أعهده ومدح لم أسمعه. وعندما طلب مني التوقيع على الكفالة الغرامية المالية وقعت توقيعا جميلاً مع كتابة الاسم مفتوحا وانا ابتسم وآمر بشهادة الشهود.
ثم أردنا الخروج فرأيته أمامي أنظر إلى عرض أكتفاه، بينما كنت أنا في الدخول أمامه رغم أنني أصغر منه سناً؟ ولكن يا غافلين لكم الله وبعد سنة وبعد حلول المبلغ وعدم التسديد من قبله طالبتني الشركة بتسديد كامل المبلغ فذهبت إليه في بيته ..قابلني على عتبة الباب وقال: (هلا أبو حميد) قلت له: أنا أبو فهد قال: (كله واحد). ثم قال لي وهو يجر الشين: (وش تبي) قلت: (يا بو فلان جاني خطاب من الشركة تطلب تسديد المبلغ) فقال لي: سدد فأنا علي التزامات كثيرة لا أستطيع أن اسدد لهذه الشركة، ثم ركب سيارته وتركني عند الباب أنظر يمنة ويسرة.
وذهبت إلى بيتي حزيناً وحاولت مراراً لعل وعسى أن يلين قلبه ويقدر موقفي ولكن محاولاتي باءت بالفشل فاضطررت إلى تسديد كامل المبلغ!! وحتى يومنا الحاضر لم يسدد لي شيئا.
تاثرت كثيرا من الموقف وزاد الحزن في نفسي يوما بعد يوم حتى أصبحت طريح الفراش اشكو من الضغط والسكر والسبب هي الكفالة التي أولها وآخرها ندامة.
فقلت له الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه وهانت يا بو فهد.. فإنني أذكر قصة لرجل متوفى بسبب الكفالة الغرامية المالية!!
وبداية القصة أن رجلاً جاءه شخص في مكتبه يطلب مديونية بمبلغ مليون ريال وقال له لك خمسون الف ريال مقابل أتعابك أو بالاصح سعياً (سمسرة) وقام صاحب المكتب بالبحث ووجد شخصا يوافق على المديونية بشرط الكفالة الغرامية فأخبر الرجل وقال له ابحث لي عن شخص آخر يكفلني بمبلغ خمسين ألف ريال وبحث صاحب المكتب ولم يجد أحداً.
فالتزم هو بالكفالة الغرامية ليستلم مبلغاً قدره مائة الف ريال مقابل السعي والكفالة انتهى الموضوع واستلم الرجل المليون وسلم صاحب المكتب مائة ألف ريال.
وبعد سنة جاء صاحب المبلغ يطالب صاحب المكتب بتسديد كامل المبلغ. قام صاحب المكتب بالبحث عن هذا الرجل ولما وجده وتحدث معه أظهر له صك إعسار وانه لا يستطيع ان يسدد المبلغ المذكور. قام صاحب المكتب بالتسديد وأصيب بالمرض حتى انتقل إلى رحمة الله فالقصص التي تحكي عن الكفالة كثيرة ولكنني اتطرق إليها بأنه يجب على كل فرد ان يحكم عقله قبل ان تديره عواطفه فالعاطفة جياشة والكفالة أمر خطير واذا ابتلي الإنسان وصار في موقف لابد منها فلتكن غرامة حضورية وليست غرامية. وإذا ابتلي المرء بكفالة غرامية فيجب ان تكون للاقارب والأصدقاء الذين يستحقونها من تجارب معروفة ومن صفات مفهومة يشهد لهم القاصي والداني والصغير والكبير بالأخلاق الفاضلة والمعاملة الحسنة وان تكون لديهم القدرة المالية في طلب التسديد أما الكفالة الغرامية على فراغ فهذا مرفوض رفضاً قاطعاً والسعيد من اتعظ بغيره.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved