كنت أسمي (بيروت) دائماً بالفينيقية الشقية بعروبتها، فعلى الرغم من صغر المساحة التي يرتكن عليها لبنان، مقارنة بحجم العالم العربي، إلا أنه استطاع ان يجعل من نفسه أحد العواصم الثقافية التي لها الريادة على العديد من المستويات.
فلماذا لبنان؟؟ أعتقد بان لبنان ظل طوال تاريخه في العصر الحديث يقوم بدور (المفتاح)، والمفتاح على الرغم من حجمه الصغير، مقارنة بالبيت، لكنه مدخله الأول.
فمثلا نتيجة للفسيفساء المذهبية التي يتكون منها النسيج الاجتماعي هناك ظهرت الكثير من الثقافات التي ظلت في حالة تلاقح دائمة أنتجت قاعدة ثقافية راسخة وعميقة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، كانت القابلية اللبنانية للأخذ عن الثقافة الغربية أكثر وأسرع نتيجة لغياب الموانع المذهبية لدى الكثير من الطوائف هناك، بل ان الكثير من المؤرخين يرون ان أول وصول لآلة الطباعة، لم يكن برفقة حملة نابليون على مصر (1798) بل قبل هذا بسنوات طويلة عبر الحملات التبشيرية فوق جبل لبنان.
وإن كانت التعددية المذهبية والطائفية في لبنان أنتجت العديد من الحروب الطاحنة التي تدخل بها الصراع العربي الإسرائيلي بشكل كبير، إلا ان للبنان نفسه خصائص طائر (العنقاء) أو الفينيق، وحيث يستطيع ان ينهض من رماده ويعاود التحليق متطهراً من أدرانه القديمة.
وطوال الوقت ظل لبنان يقوم بدور المفتاح ذي القلب الجسور الذي يفتح مغاليق العالم الخارجي، أمام عالم عربي حر وحيي وشديد الحساسية من الغرباء، كان لبنان يقوم بالجسر، بتبني الجديد، ثم يمزجه بنكهة شرقية ويعيد تصديره الى العالم العربي كمنتج لبناني، ابتداء من كبرى النظريات الفلسفية والفكرية انتهاء بآخر خطوط الموضة.
وما برحنا إلى الآن نرى في جميع أنحاء العالم العربي اللبناني النشط الأنيق الذي يتقن عدة لغات والقادر على التواصل بدماثة وأدب، والذي أيضا يملك المفاتيح لجميع المغلق أو الذي نظنه كذلك.
|