حينما يتحدث مفكر أمريكي يهودي بصراحة ووضوح عن بلاده منتقداً أو مبيِّناً مظاهر الخلل في مسيرتها، فإنَّ حديثه جديرٌ بالاهتمام، والتأمُل خاصةً من أولئك الذين يميلون إلى الدولة الكبرى ويؤيدون سياستها، ويشيدون بما فيها من الحرية والديمقراطية، ويبشرون بفتوحاتها العادلة لدول العالم الثالث، وحينما يتحدث عن دولة اليهود الصهيونية في فلسطين مؤكداً عنصريتها وظلمها واعتداءَها، فإنَّ حديثه جديرٌ بالاهتمام الأكبر خاصةً من أولئك الذين ينقمون على أبناء الشعب المغتصب المظلوم ما يقوم به من محاولات مشروعة لصدِّ الظالم، وردِّ الصائل الباغي.
نعوم تشومسكي تحدَّث في الحوار الذي أجرته معه مجلة (زدنت) ونشرته مجلة الإصدار الدولي التابعة لجريدة (الجزيرة)، حديثاً مهمَّاً يصوِّر فيه جوانب الخلل العميقة في السياسة الأمريكية في المرحلة الأخيرة، ويوضِّح فيه زيف دعاوى تحقيق الديمقراطية، ونشر العدالة، والسعي إلى توفير أجواء الحرية للشعوب المقهورة، كما أنه يبيّن خطأ استخدام القوَّة بهذه الصورة التي لا تلتفت إلى قوانين العالم وأنظمته، ولا إلى الرَّحمة والعطف على ضعفاء البشر، ولا إلى الروح الإنسانية التي تتوخى العدل وتسعى إليه.
(الحصول على ثروة النفط في العالم، والسيطرة على مناطق الاحتياطي الضخم منه في منطقة الخليج) هو الهدف الأكبر الحقيقي الذي تسعى أمريكا لتحقيقه على حسب كلام (تشومسكي)، ومادام هذا هو الهدف فلن يكون هنالك تحقيق للديمقراطية المدّعاة، ولا توفير للأمن والعدل اللذين تتوق إليهما شعوب العالم قاطبة.
أما الدعم الأمريكي غير المحدود لدولة الكيان الصهيوني في فلسطين، فإن المفكر اليهودي تشومسكي يرى في ذلك ظلماً وعدواناً، وتحطيماً صارخاً للعدالةِ، وحقوق الإِنسان، ويرى أن استخدام حقِّ النقض (الفيتو) المستمر من قبل الدولة الكبرى لكل قرارٍ يدين الدولة الصهيونية في مجلس الأمن، أو هيئة الأمم، إنما هو تأييد للظلم والاعتداء، ونقضٌ للعدالة والإنصاف.
ويؤكد هذا المفكر أن التضليل الإعلامي الهائل للشعب الأمريكي ولغيره من شعوب العالم هو الذي يقلب الحقائق، ويلقي بالناس في دوَّامة الهوى والوهم، ويسوق العالم كلَّه إلى سوء المصير، مشيراً إلى أنَّ النَّدم سيكون نهاية كلِّ من يدعم الظلم، ويؤيد الاعتداء على الضعفاء.
(أين الموقف الدولي من مآسي (صبرا وشاتيلا، وحلبجة، ومذابح البلقان والشيشان، وكشمير، وأفغانستان، وكوسوفا.. وغيرها من المآسي التي جرت في العالم المعاصر؟؟)، سؤال يبرز قوياً من بين الكلمات التي قالها هذا المفكر الأمريكي اليهودي، وهو سؤال واضح، ولكنَّه صعب الإجابة أمام هذا الطغيان والظلم الذي يجري بمباركة الدول الكبرى المغرورة بقوَّتها وثرائها وانتشار سلطتها في العالم.
قال هذا الرجل، وغيره من المفكرين المعارضين لسياسات الظلم والاعتداء والمطامع الاقتصادية في العالم الغربي مقالتهم، ووضعوا بين أيدينا رأيَهم المدعوم بالأدَّلة والشواهد التي لا تخضع لقانون (حق النقض)، وإلا لما وصلت إلينا أبداً.
قالوا مقالتهم الواضحة، فهل قرأتها الأمة المسلمة المظلومة، وإذا قرأتها فهل يمكن أن تفكر في الوسائل التي تنقذها من الطوفان، أم أنها ستبقى تائهة مستسلمة، حتى يكمل الآخرون أكل القصعة الدّسمة؟؟
اللهم أكف أمتنا شر أعدائنا، وشرَّ غفلتها، وتنكُّر بعض أبنائها.
إشارة
يا أمةً في مجدها
رتع الأوائل والأواخر
لتمزقي أكفان هذا
الليل إنَّ الذئبَ كاشر |
|