Tuesday 16th March,200411492العددالثلاثاء 25 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إضاءة إضاءة
العربة والحصان
شاكر سليمان شكوري

لا جدال ان وضع العربة أمام الحصان - لا خلفه - يبطل حركتها، وهذا هو حال من يقدمون المشاريع الإصلاحية للعالم العربي على جناحي الديمقراطية وحقوق الإنسان متجاهلين العامل الأساسي والأهم وأعني بذلك النزاع العربي الإسرائيلي الذي استنفد كل الطاقة وكل الصبر..
هذا مع ان المبادرة الأمريكية - أم المبادرات - انطلقت من دراسة قامت بها نخبة من الخبراء العرب التابعين لإحدى مؤسسات الأمم المتحدة، عن التنمية الإنسانية في العالم العربي، وخلصت في تقريريها - لعامين متتاليين - إلى العوامل الثلاثة المؤثرة سلباً في التنمية العربية وهي: النزاع العربي الإسرائيلي، والخواء الديمقراطي، والحجر على المرأة، فلماذا اغفل المشروع قضية هذا النزاع ووضع بذلك العربة أمام الحصان؟!
وإذا كانت دعوة أمريكا إلى هذا الإصلاح تأتي في سياق فرضية الحرب العالمية التي تبثها على الإرهاب، فإن عليها ألا تنسى أن من اتهموا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر - مهما اختلفنا معهم - كانوا أمام أنفسهم وأمام ما استقطبوه من تعاطف على الساحة، يتذرعون بقميص مثل قميص يوسف لكن قماشته من نسيج هذا النزاع بعد تصاعد غير مسبوق للعدوان الإسرائيلي على العرب بدعم أمريكي وانحياز بلا حدود.
ومرة أخرى توضع العربة أمام الحصان في السياسة تجاه العرب، ذلك أن أمريكا راحت إلى العراق بدعوى القضاء على أسلحة الدمار الشامل (المزعومة) خشية أن تقع في يد الإرهاب بفعل التعاون (المزعوم) بين رأس النظام وتنظيم القاعدة!، ونشر واحة الديمقراطية ولتجعله مثلاً يحتذى بين الأمم وفي هجمة لا يمكن وصفها إلا بالإرهابية الشرسة حطمت قوات التحالف البنى التحتية في أرض الرافدين، ونفخت الرماد عن بقايا النار بين الفصائل لتقوم الفتنة، دون أن تجد للأسلحة أثراً ودون أن تسود واحة الديمقراطية الموعودة بل الخراب والدمار والدماء والأشلاء هي الأثر الواضح للغزو حتى الآن.
والحل إذن في كل القضايا بيد أمريكا راعية السلام والديمقراطية والرخاء، ولتجرب مرة واحدة أن تضع الحصان أمام العربة، بأن تلزم إسرائيل بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، للوصول إلى حل عادل للطرفين، أو لترفع يدها عنها وسوف تسعى إلينا - من تلقاء نفسها - تنشد السلام، حين تشعر بأن الدعم اللا محدود مرهون تماماً بقيام السلام العادل.. ولتسلم قوات التحالف الملف العراقي بالكامل للأمم المتحدة ليعد بناء الدولة تحت رعايتها، ربما بعقد جمعية عمومية للشعب العراقي يمثل كل فصيل فيها بنسبته إلى الأصل وحبذا لو أخذ بذلك في كل الشأن العراقي، لعل هذه الجمعية تقدم برنامجا حرا لقيام الدولة الجديدة على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان والرخاء لشعب يستحق ذلك كله.
إذا أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على هاتين الخطوتين، فإني أزعم أنهما كفيلتان بالقضاء على الإرهاب، وكفيلتان بتفعيل حركة التنمية على الساحة العربية، والتي سوف تنطلق من ذواتنا، قد نحتاج للدعم - التقني أكثر - الذي سوف نمد أيدينا نطلبه من الغرب والشرق على السواء، ويمكننا والحال كذلك ان نعطي كما نأخذ، وهكذا تدور الحركة الصحيحة لعربة رخاء الإنسانية التي تقودها الأحصنة من عقلائها.
أما الاستمرار في منهج غطرسة القوة فهو استمرار للوضع المقلوب الذي يعرض الجميع للخطر وتحضرني هنا مقابلة لنخبة من الإعلاميين الأمريكيين مع سمو الأمير خالد الفيصل قبل نحو عامين - في قصر الضيافة بأبها - سأله أحدهم: ألا تخيفكم قوة إسرائيل الراهنة من أن تغريها بالمزيد من الأطماع في المنطقة. وأجابه سموه: من الجائز أن تحتل إسرائيل المزيد من الأرض العربية، ربما ولكن إلى متى؟! إن أشد غزوة وأشرسها علينا لم تكمل القرن الثالث وعلى فترات متقطعة، وأخيراً اندحر الغزاة وعادت البلاد إلى أهلها.
نعم قد تنجح غطرسة القوة في فرض إرادتها حينا، لكن هل عرف التاريخ لغطرسة القوة نهاية إلا الفناء!
أيها السيد الساكن في البيت الأبيض، هذه ليست مشاعري الخاصة ولا مشاعر فرد أو مجموعة، وإنما هي ما يجيش في صدور العرب جميعاً، فهلا جربت يوماً أن تقف بحيادية إلى جوار الحق، الذي يمليه عليك ضميرك الإنساني المرهف، تجاه إخلالكم بميزان القوى الذي أغرى أصدقاءكم بقتل إخواننا وتشريدهم.
فلتجرب مرة أخرى أن تثق بنا نحن العرب وأن تقيم معنا الجسور بالعدل فنحن أصحاب الحق والأرض بنا أجدر.
جرب مرة - فخامة الرئيس - ان تصحح وضع العربة والحصان.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved