على الرغم من عدم وضوح أهداف ومنطلقات الدعاوى التي تنادي بضرورة إصلاح البيت العربي، وعلى الرغم من عدم منطقية فرض حالة إصلاح لا تأخذ في الاعتبار واقع المجتمع العربي ولا تتفق مع تطلعات قادته ومكوناته المختلفة، إلا ان الواقع الاقتصادي والسياسي للأمة العربية يفرض عليها ضرورة المبادرة لعمل ما يمكن عمله من الداخل لتلافي الإصلاح (الإفساد) الخارجي، ولتحقيق تطلع الشعوب العربية بأكملها. ومع احترامنا وتقديرنا للجهود العربية التي تبذل في هذا الاتجاه الإصلاحي، إلا انه لابد من الاعتراف بأن التباعد الروحي والسياسي وافتقار بعض الأنظمة العربية للرشد السياسي يجعل من عملية الإصلاح الجماعية للبيت العربي ضرباً من ضروب المستحيل وعقبة حقيقية أمام الخطوات التصحيحية التي تتبناها بعض الدول العربية. ولعلنا جميعا نتذكر المحاولات العربية المتعددة التي فشلت في تحقيق تقارب اقتصادي مثمر على الرغم من كونه يمثل العربة السريعة لمواجهة التحديات الاقليمية والدولية خاصة في ظل التحركات الدولية الجادة التي أدت إلى خلق العديد من التجمعات الاقليمية وفي ظل العولمة الدولية التي يراد لها أن تسوس العالم في عصره الجديد وتقضي على الحواجز المعنوية التي تفصل بين الدول على الخارطة الدولية. فعن طريق السوق العربية المشتركة تستطيع الدول العربية تحقيق العديد من المزايا الاقتصادية والاجتماعية والفكرية لمواطنيها والتي تأتي في مقدمتها الاستفادة من آثار خلق وصرف التجارة المترتبة على إزالة أو خفض المعوقات الجمركية وغير الجمركية أمام التجارة البينية العربية وزيادة حجم التجارة البينية للدول العربية مما قد يؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج وتحسين المستوى التكنولوجي، وتنمية قدرة المنشآت العربية على تحقيق ما يعرف اقتصاديا بوفورات السعة أو الحجم، ودعم قدرة الدول العربية على استغلال الميزة النسبية لكل دولة عن طريق التخصص في إنتاج وتسويق السلع والخدمات التي يكون للدول العربية ميزة نسبية على بقية الدول العربية المشاركة في تكوين السوق أو المنطقة المشتركة وغير ذلك من المزايا المباشرة وغير المباشرة.
كل ما ذكر أعلاه يمكن ان يكون مقنعاً إلى حد يجعلنا ننادي بالإسراع في الخطى العربية نحو المزيد من التعاون والتنسيق ونحو المزيد من الترابط الاقتصادي والاجتماعي والفكري لتدعم الترابط التاريخي والعرقي الذي يربط بين شعوب الدول العربية. ولكن هل يمكن لنا ان نتوقع منجزاً عربياً واقعياً في هذا الاتجاه؟
أعتقد ان الاستفادة من التاريخ يمكن ان تكون الأداة الأسلم للإجابة عن هذا التساؤل حيث سبق للدول العربية أن حاولت خلق تجمع اقتصادي عربي كما حدث في عام 1965م عندما تم تأسيس السوق العربية المشتركة التي ضمت كلا من مصر والعراق والأردن وسوريا ولكنها فشلت في تحقيق أي تقدم على المجال التطبيقي لبنود الاتفاق.
نعلم نحن العرب ان التوافق الاقتصادي مطلب ضروري ولكن نعلم أيضاً ان التوافق السياسي هو الشرط الضروري لخلق التوافق الاقتصادي. وهنا نتساءل هل سبق أن تحقق التوافق السياسي العربي؟ الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى إثبات مما يجعلنا لا نتفاءل كثيراً بمستقبل التحركات العربية الحالية التي تدعو إلى الإصلاح العربي الجماعي مع أملنا بأن نكون غير محقين في هذا التصور.
|