Tuesday 16th March,200411492العددالثلاثاء 25 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أضواء أضواء
الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي العراقي بعد الدستور(4)
جاسر عبدالعزيز الجاسر

أخطر ما يواجه الشعوب والدول هو تفتيت الوحدة الوطنية، فالنسيج الوطني الموحد والاجتماعي الذي ينصهر في بوتقة أطياف الأمة الواحدة باختلاف تنوعاتها العرقية والمذهبية هو الضمان الأكيد لوحدة الوطن.
والحفاظ على وحدة الوطن العراقي هو الامتحان العسير الذي يواجه العراقيين منذ الغزو مروراً بالاحتلال وصولاً إلى إقرار الدستور المؤقت؛ ففي هذه المراحل الثلاث أظهر العراقيون تخوفاً (وهم على حق)؛ فما حصل حتى الآن في العراق يزيد من مخاطر تفتيت الوحدة الوطنية، فالغزو والاحتلال زادا من النزعات الانفصالية لدى الأكراد، وباعدا بين طوائف الشعب العراقي، وخاصة بين الشيعة والسنة والأكراد.
وفي المقابل أظهر العراقيون تمسكاً بوحدتهم الوطنية، رغم إقدام بعض (المتعصبين) قومياً - كما جرى من بعض الأكراد - على جمع تواقيع للانفصال، وانسياق بعض المتطرفين من السنة والشيعة إلى محاولات جهات أجنبية لإشعال فتنة طائفية، فبعد جريمتي كربلاء والكاظمية كادت تحدث كارثة لولا تدخل الحكماء والعقلاء من علماء وقادة الشيعة والسنة معاً؛ فبعد حصول الجريمة في الكاظمية نادى متعصب في جمع من الغاضبين من الشيعة في الكاظمية طالباً منهم عبور الجسر الذي يربط بين الكاظمية والأعظمية؛ حيث جامع أبي حنيفة النعمان والسكان السنة، إلا أن الحكماء والعقلاء منعوا ذلك التصرف المجنون. ولكن احتواء مثل هذا التصرف الانفعالي لم يكن كاملا؛ فقد نفذت بعض الهجمات ضد السنة في بغداد أسفرت عن مقتل أربعة من علماء السنة في مناطق متفرقة، وردّ السنة بهدم (حسينية) في طور البناء، وقتل تاجر شيعي قريب لزعيم سياسي شيعي كبير، إذ قتل التاجر حيدر القزويني نسيب الدكتور إبراهيم الجعفري، إلا أنه أيضاً وقياساً على ما حصل في جريمتي كربلاء والكاظمية، وذلك السقوط الكبير من الضحايا، فإنه يسجل للشيعة قدرة علمائهم وساستهم وعقلائهم على ضبط أبناء طائفتهم وقدرتهم على تجاوز المأساة، وتفويت الفرصة على الأيادي الخارجية التي كانت تسعى إلى إحداث فتنة طائفية مدمّرة.
وقبل أن يتجاوز العراقيون السنة والشيعة حوادث كربلاء والكاظمية وذيولها جاء إقرار وثيقة الدستور العراقي المؤقت الذي وإن أرضى (طموحات الأكراد) إلا أنه (أغضب الشيعة) وخاصة علماءهم، إذ لا يزال السيستاني وأتباعه يرفضون هذا الدستور، وتشهد المدن الشيعية حملات ضد هذا الدستور تتمثل في توزيع منشورات وملصقات في تلك المدن والجامعات العراقية، كما قامت جمعيات دينية وثقافية مقربة من السيستاني بتوقيع عريضة ضد (الدستور المؤقت) يهدفون أن يوقع عليها (ملايين العراقيين). وتبرز العريضة تحفظات الحوزة الدينية، وتؤكد أن النص الذي تم اعتماده تحت سلطة الاحتلال للفترة الانتقالية لم تقره هيئة منتخبة؛ وهو بالتالي - وحسب نص العريضة - لا يتمتع بأي شرعية، وليس له أي طابع ملزم للشعب العراقي.
المعارضة للدستور المؤقت من قبل (الحوزة) ليست مقصورة على الشيعة، فطلبة جامعة الموصل، وهم من أهل السنة، أيضاً تظاهروا ضد الدستور وتكشف لافتات المتظاهرين انتماءاتهم، والتي تقول (لا.. لا للدستور، نعم.. نعم للوحدة الوطنية.. نعم نعم للإسلام.. لا.. لا للاحتلال).
هل تؤثر هذه التظاهرات وحملات جمع التواقيع في مسيرة إقرار الدستور لفترة تسبق تسليم السلطة للعراقيين وإجراء الانتخابات..؟! وهل تؤثر على تماسك العراقيين حتى دفاعا عن وحدتهم الوطنية..؟!
قياساً على نجاح العراقيين في تجاوز الأصعب والذي تمثل في معالجة آثار مجزرتي كربلاء والكاظمية فإن التفاؤل يطغى على آراء المتابعين للشأن العراقي. وبما أن القضايا الكبرى تقوى وتتصلب عندما تتجاوز المفاصل الصعبة، فإن وحدة الوطن العراقي وتماسك نسيجه يتصلبان ويقويان؛ مما يعزز مسيرة مراحل إقرار الدستور المؤقت، حتى يتم تسليم السلطة للعراقيين وإجراء الانتخابات ووضع دستور دائم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved