مصنع الأجهزة الالكترونية في أدغال اندونيسيا يتبع شركة يابانية كبيرة يتقاضى كل عامل فيه مايعادل دولارين أمريكيين أجراً يومياً يساوي هذا الأجر اليومي أربعة أضعاف متوسط الأجر اليومي في اندونيسيا ولكنه يساوي أيضا حوالي عُشْر أجر الساعة للعامل الأمريكي أو الياباني الذي يعمل في مصنع مماثل في الولايات المتحدة أو اليابان. وتزدحم المصانع الصغيرة والورش والمناجم في دول العالم الثالث بأطفال في عمر الدراسة الابتدائية أو الإعدادية يشكلون مصدر رزق رئيس لعوائلهم ولاتستطيع تلك العوائل الفقيرة مواجهة أعباء الحياة اليومية ومتطلباتها الضرورية دون توظيف هذه الأيدي الصغيرة الرقيقة.
يتقاضى العامل في معظم دول العالم الثالث أجوراً متدنية ويعمل في ظروف صحية متردية وتحت قوانين جائرة وهو ممنوع من تنظيم نقابي فعال يتولى الدفاع عنه أو تمثيل سياسي نيابي صادق يتولى إيصال صوته إلى مؤسسات القرار الاقتصادي والسياسي أو إعلام حرّ يتولى طرح قضاياه والتداول بشأنها على نحو متوازن.
تثير كثير من المنظمات غير الحكومية والمنظمات العمالية الغربية قضايا العمل والعمال في العالم الثالث وتنادي بضرورة وضع معايير عالمية موحدة للأجور والظروف الصحية والقوانين والتنظيم النقابي والتداول القضائي. وهذا النضال من أجل ظروف وشروط أفضل في ظاهره بعض الحق ولكن يُراد به كثير من الباطل.
لا نُدافع عن الظروف المتردية للعمل في كثير من دول العالم الثالث ولا نستطيع تبريرها بالقول ان النهضة الصناعية الكبرى في أوروبا قامت على أكتاف الأطفال والنساء في المصانع والمناجم وراح ضحيتها مئات الآلاف من البشر من كل جنس ولون نتيجة للظروف المأساوية في موقع العمل وللإطار القانوني والاقتصادي الجائر في المجتمع عموماً. لكن العالم الثالث يرى في هذه الدعوات محاولة سلبه الميزة النسبية الرئيسية التي يمتع بها في توطين الصناعات والأنشطة الاقتصادية ذات الاستخدام المكثف نسبياً للأيدي العاملة.
عندما نرى نقابات العمال تتظاهر في المدن والحواضر الأوروبية الكبرى احتجاجاً على فقدان الوظائف وغضباً على تصدير تلك الوظائف وتوطينها في دول العالم الثالث سوف نتعرف على ان جوهر القضية هو التنافس على فرص العمل وليس الرحمة أو الرأفة بالطفل الهندي أو العامل البنغلاديشي أو نقابة عمال الالكترونيات في اندونيسيا. منطق التجارة الدولية الحرة يقضي بإعادة توطين الأنشطة الاقتصادية حيث المزايا النسبية في انتاجها ومن ثم ففي دول العالم الثالث حيث الكثافة السكانية يجب ان يجري توطين كل صناعة كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة. يجب تحسين الأجور والقوانين وظروف العمل ولكن على نحو لايلغي هذه المزايا النسبية ويجب ممارسة ضغط اعلامي على الشركات المتعددة الجنسيات ولكن على نحو لايلغي هامش الربح الذي يحفزها إلى توطين أنشطتها في العالم الثالث. شعوب العالم الثالث لاتريد موت الرحمة ولاترضى أن تَفُلَها نقابات العمال والسياسيون في الدول المتقدمة بالحديث الناعم والشفقة المسمومة.
|