بعد أن استأذنت بوجود الممرضة إجراء بعض الفحوصات عن طريق سحب عينة من الدم من إحدى المريضات في العناية المركزة صرخت المريضة وهي تقول لي، لا يا دكتور لقد أتيت لتوي من بريطانيا هناك لا يقومون بأي إجراء للمريض قبل أن يشرحوا له بشكل كافٍ عن تفاصيل ما يقدمون له من خدمات بما فيها أبسط الإجراءات الطبية.. تراجعت قليلاً وفكّرت في الأمر ملياً ثم شرعت في شرح ما أريد أن أقوم به من عمل طبي وما له وما عليه من المضاعفات التي يمكن حدوثها والفوائد المرجوة منه.
هذا صحيح فالثقة والصراحة والوضوح هي من العوامل المهمة التي تجمع بين الطبيب والمريض، فالأخير قد أتى إلى المستشفى وقد سلّم نفسه للطبيب ليحصل على خدمة طبية تختلف عن غيرها من الخدمات التي يتلقاها الإنسان في المجتمع بأنها خدمة (إنسانية).
من هنا كان حقاً على الطبيب أن يشرح تفاصيل الإجراءات الطبية التي يجب القيام بها لمصلحة المريضة، وكان المريض حراً في قبول هذا الإجراء أو رفضه، الأمر الذي جعل المؤسسات الطبية تعتمد توقيع المريض على الإجراءات الطبية أمراً قانونياً لا بد منه، فموافقة المريض على دخول المستشفى أولاً ثم على إجراء عملية جراحية ما أو على إجراء تشخيصي معين هو أمر لازم لمصلحة الطبيب ومصلحة المريض في آن واحد، وككل عمل يقوم به الإنسان لا يرقى إلى درجة الكمال، فمن الممكن أن يحتمل عمله النجاح التام كما يمكن أن يحتمل في حالات نادرة الفشل، وبين هذا وذاك تحصل بعض المضاعفات التي لا يرغب بها الطبيب ولا يستحسنها المريض.. وعليه كان من الواجب أثناء ممارسة مهنة الطب تعريف المريض بتفاصيل الإجراءات التي يتعرض لها خلال وجوده في المستشفى والتي في أغلب الأحيان أتى المريض إلى المستشفى من أجلها وفي بعضها الآخر يلجأ الطبيب إليها لأمر طارئ خلال خطة العلاج.
أما نسبة النجاح أو الفشل أو حدوث المضاعفات التي يحددها الأطباء عادة خلال فترة العلاج فهذه النسب تعطينا فكرة عامة تقريبية وليست جازمة عن النتائج، ولكن ليس بالضرورة عدم حدوث هذه المضاعفات إذا كانت النسبة التي حددها الطبيب ضئيلة وبنفس الوقت يمكن ألا تحدث هذه المضاعفات على الإطلاق على الرغم من نسبة الخطورة العالية.
وفي الحقيقة أن الثقة بين الطبيب والمريض بالإضافة إلى خبرة الطبيب، وقبل ذلك كله توفيق الله تعالى هي عوامل مهمة في نجاح العمل الطبي عامة.
وعلى المريض أو مرافقوه ألا يستكينوا للخوف من الخطورة أو احتمالية حدوث المضاعفات من إجراء طبي أجمع الأطباء على ضرورته وأهميته لصحة وسلامة المريض، بل يمكنهم الاستعانة برأي طبي آخر في بعض الحالات التي يصعب عليهم اتخاذ القرار اللازم.
بعد كل هذا الكلام يجب ألا يغيب عن ذهننا نحن كمؤسسات طبية أو أطباء أو إداريين أن الإهمال في العمل الطبي هو الأمر الوحيد الذي لا يقبله أحد، ويجب أن يحاسب عليه المقصرون.
ومن جانب آخر فإننا نحسن الظن في الطواقم الطبية على وجه العموم، فبنفس الوقت الذي يضع الطبيب نصب أعينه خدمة المريض والوصول به إلى بر العافية والسلامة بإذن الله، فإنه يحرص هو أيضا على سمعته كطبيب أدى القسم يوماً أمام الله تعالى ليقوم بعمله على أكمل وجه تأدية لأمانة المهنة والتزاماً بأخلاقياتها وآدابها.
( * ) أخصائي التخدير والعناية المركزة
|