Monday 15th March,200411491العددالأثنين 24 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

وعلامات وعلامات
شهاب الحرب! «5»
عبدالفتاح أبومدين

* وأقرأ في ص(52) ما نقله إلينا الأستاذ هزاع في ذلك التحاور بين الحجاج وجامع المحاربي فيما نقله العتبي، وجامع هذا كما عرفتُ ونقل الكاتب شيخ صالح خطيب لبيب جريء على السلطان، فجعل الحجَّاج يشكو سوء طاعة أهل العراق، فقال له جامع: (أما إنهم لو أحبُّوك لأطاعوك، فدَعْ عنهم ما يُبعدهم منك إلى ما يُقرِّبهم إليك، والْتَمِس العافية ممَّن دونك تُعطها ممَّن فوقك، ولْيَكُن إيقاعُك بعد وعيدِك، ووعيدُك بعد وعدِك). فقال الحجَّاج: ما أرى أن أَرُدَّ بني اللكيعة إلى طاعتي إلا بالسيف. قال: (أيها الأمير، إن السيف إذا لاقى السيف ذهب الخيار)..!
* ورأيت أن هذا الحوار أغضب الحجاج؛ لأن الذي يُحاوره رجل ذو منطق وجدل، ولذلك قال للحجَّاج:


وللحرب سُمِّينا وكُنَّا مُحارباً
إذا ما القنا أمسى من الطَّعن أحْمَرَا

وقال الحجاج: والله لقد هَمَمْتُ أن أخلع لسانك فأضرب به وجهك، إذ قال له جامع: إن صدقناك غضبناك، وإن غششناك أغضبنا الله، فغضب الأمير أهون علينا من غضب الله. قال الحجاج: أَجَل، وسكت!.
ونرى من خلال هذا التحاور أنه لا مجال للحوار مع الحجاج، ولعله يرى أنه أكبر من ذلك، وأن مَن يحاوره دونه في السلطة والجاه، فهو جندي لتوطيد ملك بني أمية، ولا منافس له في ذلك! وأقول: أين ما وصف به من رحابة الصدر والقيم والمثل؟!
* إنني مُضطرٌّ إلى الإيجاز في هذه الوقفات؛ لأن الصحف لا تحتمل الإطالة في الموضوعات، ولا كثرة الحلقات؛ لأن قرَّاءها كما تنقل عنهم لا يرغبون في ذلك، وليس أمام الكاتب إلا الاستجابة إلى تلك الرغبات.. وكتاب الأستاذ هزاع الشمري ربما تطلَّب المزيد من الوقفات معه والمصاحبة، إلا أن الحديث رُبَّما كان معاداً؛ لأن التكرار والتشابه أجده أمامي فيما أقرأ، لكن إذا دعت الحاجة إلى العودة للتحاور فسأكون بمشيئة الله مُهيَّئاً للمزيد من الأخذ والعطاء مع الكاتب العزيز.! وعندي وقفات أخرى إن شاء الله؛ لنصاحب الحجَّاج من جديد، وذلك من خلال كتاب الدكتور محمود زيادة المُوسَم ب: الحجَّاج بن يوسف الثقفي المُفْتَرَى عليه.
* إذاً، فأمامي وقفتان، أضغط فيهما ما أُريد قوله، استكمالاً لبداية الوقفات، لتنتهي بالسادسة، وأرجو أن يتَّسع صدر صحيفتي (الجزيرة) إلى ذلك، مع اعتذارٍ في الإطالة، ذلك أن مثل هذه المراجعات لا يكفيها الوقفات القصار، ولعل التوفيق بين الحالين ليس عسيراً ولا مستحيلاً.!
* إن المبالغات في الكلام غير الموزون تُصادقني فيما نقله الأستاذ هزاع.. ونقرأ في ص (52) وصف الحجَّاج بالفصاحة والخطابة وجزالة ألفاظه وبلاغته. وأنا لا أجادل في ذلك، لكني أعترض على الكلام المطلق. يقول يونس بن حبيب نقلاً عن ابن يعمر الذي قال: (الأمير أفصح الناس)، وذلك ردًّا على سؤال الحجَّاج له: (أتسمعني ألحن؟).. هذا كلام في الأدب والمجال فيه فسيح، والقائلون كثير، ويمكن أن يتَّصف به إنسان ليس له إمارة ولا وزارة في التحصيل الأدبي واللغوي، فما المَزيَّة الزائدة عند الحجاج، أهو الخطيب الأديب القائد الأوحد؟ أُوْشِكُ أن أقول لصاحبي كما قال أبو العلاء: حديث خُرافة يا أمَّ عمرو، مع الفارق الكبير، فالمعرِّي يُنكر البعث والنشور، وأنا أنكر الكثير من أقوال الرواة.! أما الفصاحة ونحوها فإنَّ خاتم الرُّسل -صلى الله عليه وسلم- قال: (أنا أفصح العرب، بَيْدَ أنِّي من قُريش).. وفي تاريخنا بُلغاء وفصحاء وخطباء يبزُّون الحجَّاج، أما أن يقول ابن يعمر: (الأمير أفصح الناس)، فكلامه مردود عليه..! وكنتُ أودُّ من الأستاذ هزاع أن يكون له تعقيب على هذا الكلام المطلق، ليعلن لقُرَّائه أنَّه واعٍ إلى ما ينقل ويُقدِّم إليه من أحاديث الرواة ومن سُمُّوا بالمؤرخين، فذلك أضبط وأحكم للذين يَنْهَجُون سُبُل الكتابة المُتْقَنَة.!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved