ثلاثة ملامح رئيسية استصحبت الاعلان عن إنشاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة:
1- وضوح الرؤية المبنية على منهج التأسيس.
2- مسيرة إصلاح هادئة ومؤسسة.
3- إصلاح بمقاييس المنفعة لا المزايدة أو المجاملة.
فأما الأول فهو امتداد للعمل المؤسسي في البناء السياسي الداخلي المرتكز على المنهج القويم الذي تأسست عليه الدولة وشمخ كيانها، إذ ظلت المملكة منذ تأسيسها حارسة لعقيدة التوحيد، وحامية لمنهج الإسلام، ومن ذلك استلهام نظم مؤسساتها السياسية من شريعة الإسلام وإنشاء هذه الجمعية بالديباجة التي تصدرت الإعلان عن إنشائها، وبالروح الذي استقت منه مواد نظامها إنما هو تمثل لهذا المبدأ القويم.
وأما المسيرة الهادئة فهي ظهور النظم المتتابعة والمؤسسات السياسية في نسق يتسم بالهدوء والتؤدة، ينشد بناء مؤسسات المجتمع المدني في أجواء الدراسات المتعمقة لتكون إضافة نوعية تعود بالنفع على الدولة والمجتمع وليس لتسجيل حضور سياسي أو إثارة زوابع إعلامية لا تمت إلى الواقع بصلة.
ثم - ثالثاً - هو إصلاح يبتغي المنفعة، بمواصفات ومقاييس أهل المنفعة. وفي هذا تجلية للموقف من الذين يريدون إصلاحاً بمقاييس دخيلة - في الداخل - أو غريبة مستوردة - من الخارج -.
إن مقتضيات المرحلة الدولية التي تشهد عصفاً ثقافياً أحادي الاتجاه والتوجه تتوجب علينا ان نتقدم للعالم بمشروعنا الحضاري، وبخاصة في مجال حقوق الإنسان. وهو مشروع يتسم بخصائص في المصدر والشمول، والنتائج. فأما مصدره فهو الله، خالق الإنسان، وهو خير ضامن لحقوقه وكرامته. وأما النتائج فإن في تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً راشدا وسليما يعد ترجمة حقيقية وواقعية للكرامة الإنسانية.
وأما الشمول فإنها تنتظم الفرد والأسرة والمؤسسة والمجتمع في كل مجالات الحياة المختلفة، داخل المجتمع الإسلامي وخارجه.
ولئن كانت مواثيق حقوق الإنسان الدولية تستمد شرعيتها من التنوع الحضاري والثقافي للأمم والشعوب، فإن حقوق الإنسان في المملكة وهي تستلهم هذه المفاهيم - تنظيراً وتطبيقاً - من شريعة الإسلام التي يدين بها أكثر من بليون مسلم في العالم، إنما تقدم للعالم المادي المعاصر نموذجاً في هذه الحقوق يرتكز على قاعدة متينة من وعي الإنسان لقيمته في هذا الوجود. وإن إنشاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان - وما سبقها من نظم ومؤسسات - على المنهج الرباني الذي ارتضته الدولة إنما هو تمثل واقعي للنموذج الإسلامي، أما تيارات التغريب والعولمة، وهو إعلان حاسم بتبني الإسلام وتطبيق شريعته.
ولذلك فإن المؤمل من هذه الجمعية الوليدة بنظامها المؤصل والمستنير، ان تقفز بهذا المجتمع إلى ميادين العدالة والإنصاف والمساواة، وان تحقق - فعلاً - مبادئ تكريم الإنسان، وان تترجم مواد نظامها إلى عمل ميداني شامل لا ينتقي، ومتواصلاً لا ينقطع، وواضحا وضوح المنهج الذي قامت عليه، وإلا أصبحت عبئاً على المجتمع، وعالة على النظام، وحجة في القصور، ونافذة للمتربصين بالمجتمع وأهله.
*أستاذ الإعلام السياسي المشارك
جامعة الإمام محمد بن سعود - الرياض
|