Monday 15th March,200411491العددالأثنين 24 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أمركة منطقتنا الإسلامية «1» أمركة منطقتنا الإسلامية «1»
عبدالله الصالح العثيمين

المشروع الذي تروِّجه أمريكا، هذه الأيام, باسم الشرق الأوسط الكبير يمكن تناوله من زاويتين: الأولى أهلية من يدَّعي أنه يريد الإصلاح للقيام بما يدَّعي أنه يريده. وهذا يتطلَّب نظرة فاحصة على تعامله: ماضياً وحاضراً. والثانية اختيار المنطقة التي حُدِّدت للقيام بإصلاح كبير فيها, وتوقيت هذا الاختيار.
ماذا يحدِّثنا التاريخ عن سيرة عادِ هذا الزمان المروِّجة للمشروع في تعاملها مع فئات من بلادها ومع شعوب من خارجها؟
لقد بدأ تاريخ الرجل الأبيض في أمريكا بمغامرات اتَّسمت بالعنف. وما ارتكبه المستقرون, أو المستعمرون, الجدد في تلك القارة من أعمال ضد سكانها الأصليين تحدَّث عنه الكثيرون أحاديث موثَّقة. ومن هؤلاء منير العكش في كتابه: حق التضحية بالآخر, والذي نشر كاتب هذه السطور قراءة عنه في عدة حلقات في هذه الصحيفة. ولعلَّ هذا هو الذى أتى بتعبير (رعاة البقر) بما يتضمنه من دلالة سلبية, تعبيراً عمَّا يشعر به الكثيرون تجاه الغطرسة الأمريكية المعهودة.
وكان من نتائج هذا الشعور، وبخاصة في أوروبا, أن شاع تعبير (الأمريكي القبيح The ugly American) وتعامل الأمريكيين البيض, الذين ما زالوا يسيطرون على مختلف شؤون الحياة المهمة في البلاد, مع السود الذين ساقتهم أقدامهم إلى القارة الأمريكية بالطريقة التي عبّر عنها فيلم الجذور. تعاملٌ لم يوضع حدّ رسمي لسوئه إلا منذ عهد قريب جداً. ويعلم السود أكثر من غيرهم إن كان قد قُضي فعلاً على آثار ذلك التعامل السيئ قضاء واضحاً.
أما تعامل قادة أمريكا المتعاقبين مع شعوب من خارج بلادهم فقد عرضت قناة العربية - قبل عدة ليالٍ - شيئاً من تاريخهم الحافل بأفعال شنيعة ضد شعوب في مناطق مختلفة من العالم؛ شرقه وغربه. وما عرضته القناة, مشكورة بتنوير المشاهدين بهذا الشأن, ما هو إلا غيض من فيض ما رصده المؤرخون وأثبته المحقِّقون. فما قامت به أمريكا في هيروشيما ونجازاكي, وما تم في لاووس وفيتنام, نماذج من تاريخ أولئك القادة في شرق المعمورة. ومساهماتهم في الإطاحة بحكومات منتخبة انتخاباً حراً, وإحلالها بأنظمة عسكرية دكتاتورية في أمريكا الجنوبية والوسطى, معروفة مشهورة.
وما الإطاحة بحكومة الليندي في تشيلي, ومقتل الآلاف من الشعب نتيجة تلك الإطاحة إلا نموذجاً من تلك المساهمات.
وماذا عن منطقتنا الإسلامية, التي وسَّعت الإدارة الأمريكية الحالية مصطلح الشرق الأوسط الاستعماري ليشملها مشروع الأمركة؟
إن نظر الإنسان إلى زاوية حقوق الإنسان, التي هي أحد أسس الديمقراطية الإيجابية, فإنه سيجد أن القيادات الأمريكية المتعاقبة وقفت باستمرار مع الصهاينة الذين كانوا, ومازالوا يرتكبون أفظع الجرائم ضد حقوق الإنسان الفلسطيني؛ ابتداء بعهد الرئيس ولسون إلى عهد الرئيس الحالي الذي يروِّج مع أقطاب حكومته المشروع المشار إليه.
إن القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين الأولى على مستوى الرأي العام. وكان الرئيس ولسون, الذي نادى باحترام حقوق الإنسان وحرية تقرير المصير, أول من أيَّد وعد بلفور الجائر لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين مع علمه بأن تأييد ذلك الوعد يتنافى مع المناداة بما نادى به. وما قام به خلفاء ذلك الرئيس من دعم غير محدود للصهاينة -قبل إنشائهم دولتهم على الأراضي الفلسطينية وبعد إنشائها - غير خافٍ على الكثيرين. بل إن الرئيس روزفلت, الذي يطيب لبعض من لم يكلِّفوا أنفسهم تأمل موقفه, لم يجب عن مطالبة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - له ليجد حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية إلا إحالته إلى بيان وزير خارجيته, الذي نص فيه على أنه بمال أمريكا وذهبها سيطوَّر الوطن القومي لليهود في فلسطين. وتلك الإجابة موجودة في كتاب (شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز) الذي ألَّفه الزركلي -رحمه الله-. أما الرئيس ترومان فحدث عن تأييده الكامل للصهاينة ولا حرج.
وما كان الرؤساء الأمريكيون بعد ترومان بأقلَّ منه تأييداً للصهاينة على وجه العموم. وإذا كان هناك من لا يزال يظن أن الرئيس بوش الأب قد أدَّى خدمة للعرب فإن من اليسير عليه أن يقرأ مذكرات وزير خارجيته, بيكر, ليتحقق من صدق ظنه. ولقد نشر كاتب هذه السطور ست حلقات في هذه الصحيفة عن القضية الفلسطينية في تلك المذكرات, التي أوضح فيها ذلك الوزير أنه لم تقم أي إدارة أمريكية سابقة بخدمة إسرائيل كما قامت إدارة رئيسه بوش الأب. وعدَّد جوانب تلك الخدمة بما يدل على صدق ما ذكره.
أما الحديث عن إسرائيل وبوش الابن فسيأتي في الحلقة القادمة إن شاء الله.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved