* كتب - المحرر:
في كل يوم تدفع المطابع العربية بكتاب في تاريخنا العربي تكون هذه الكتب خير شاهد على ما كان يتمتع به الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل- طيب الله ثراه- من مواقف عظيمة سبقت عصره وجيله، وبخاصة في التعامل مع الآخرين سواء كانوا من الخصوم أو الأصدقاء.
ومما صدر في السنوات القليلة الماضية في هذا المجال: مذكرات السياسي العراقي الشهير السيد محسن أبو طبيخ الذي كان مقربا من العائلة المالكة الهاشمية في العراق حيث روى في هذه المذكرات موقفا كبيرا للملك عبدالعزيز بعد أن ضم الحجاز إلى دولة التوحيد المملكة العربية السعودية، وفي تلك الفترة ظن البعض أن الملك عبدالعزيز سيصادر الأملاك في الحجاز، لكن الذي كان من الملك عبدالعزيز أن اهتم بحفظ الممتلكات وحقوق الناس بدرجة كبيرة وضحت هذا المفهوم مذكرات السيد أبو طبيخ والتي نشرت في بيروت مؤخرا وجاء فيها على لسان كاتبها:
في ضيافة الملك عبدالعزيز بن سعود:
في غرة ربيع الآخر 1364 المصادف بداية عام 1945م قررت السفر إلى الديار المقدسة لأداء فريضة العمرة، وحينما راجعت الشيخ عبدالله الخيال، السفير السعودي في بغداد لطلب التأشيرة اللازمة رحب بطلبي وبعد أيام زارني في بيتي وأخبرني بأني مدعو رسميا ً من قبل الحكومة السعودية التي ترحب بي في المملكة وإني سوف كون في ضيافتها مدة إقامتي فيها، وقبل انصرافه سلمني رسالة طلب مني تسليمها إلى المسؤولين عند وصولي إلى مدينة الرياض.
قبيل مغادرتي بغداد، تشرفت بزيارة الأمير عبدالإله،للسلام عليه وعندما علم بموضوع استضافتي طلب مني مقابلته بعد يومين، وبناء على طلبه هذا جئته عصرا في البلاط على وقت الموعد الذي حدده لي، فبادرني بعرض مسهب عن حقوقه وحقوق اخواته من تركة جده المغفور له الملك حسين بن علي وما للملك فيصل الثاني من تركة في حصة جده الملك فيصل الأول، كل هذه وما لهم من أملاط شرعية في الحجاز وتحديداً في مكة المكرمة والمدينة..وأنه يود أن يتعرف على إمكانية التصرف بها وما هو موقف الحكومة السعودية من هذه القضية التي أوصاني أن تكون (شخصية وعائلية) وليس لها اي صفة رسمية. أجبته من أنه سوف يشرفني هذا التكليف من جانب سموه وأسأل الله أن يوفقني للقيام بمهمتي بما يرضيه.
غادرت العراق عن طريق البصرة صفوان ومن ثم الكويت، والتي تشرفت بزيارة أميرها المرحوم الشيخ أحمد الجابر الصباح واستضافني مدة أيام إقامتي فيها، وقبيل مغادرتي أغدق علي بخاتم ثمين من الذهب مرصع بلؤلؤة كبيرة سوداء.
وعندما وصلت إلى الرياض، بعثت برسالة السفير التي كنت أحملها، فجاءني على اثرها شخصان ليخبراني أني ضيف جلالة الملك واصطحباني إلى دار الضيافة ووضعت سيارة تحت تصرفي لتأخذني حيثما أشاء. وفي الأيام التالية ذهبت إلى مقر وزارة الخارجية حيث قابلت الأمير فيصل آل سعود وزير الخارجية (الملك فيصل فيما بعد) وأخبرني بموعد مقابلة جلالة الملك عبدالعزيز.
وفي مكا ن خارج الرياض حيث قصر الملك وبلاطه تشرفت بمقابلة جلالته، فرحب بي أجمل ترحيب تحيط به حاشيته ثم دعاني على تناول الغداء معه، على الطريقة العربية، وقد فرشت السفرة -السماط- على الأرض وحضرها العديد من مشايخ الجزيرة.
وقبيل مغادرتي مجلسه قدمت له هديتي المتواضعة المؤلفة من نخلة فضية ودلة قهوة مع فناجين ذهبية، تقبلها بترحاب، كما أهداني ما يسمى (الخلعة) وهي منتهى التكريم لزائر عند عرب الجزيرة وتتألف من العقال المذهب وعباءة من الوبر وملحقاتها من الملابس العربية مع خنجر كديمي من الذهب الخالص مرصع بالأحجار الكريمة وساعة يد ذهبية.
في زيارتي التوديعية لجلالته فاتحته بما أوصاني به الأمير عبدالإله، بعد أن أبديت له ما يكنه له الأمير من بالغ الود وما يحمله له من علو المكانة وحسن النية وبعد ان اهديته وبلغته سلام الأمير رجوت جلالته أن اسمع منه خيراً، وكنت اتوقع أن يرد علي بما قد لا يسر الأمير، أو بالقول لا حل في الوقت الحاضر..إلا أنه فاجأني بقوله، إن حقوق الورثة الهاشميين لم تمس بأي إجراء من جانب الحكومة السعودية وطمأنني بأن لهم وبدون استثناء حرية التصرف بتركتهم وأملاكهم وفي أي مكان في المملكة.
أخبرت الأمير عبدالإله، عند عودتي بتفاصيل مقابلتي للملك عبدالعزيز حول موضوع التركة الهاشمية وقد سر كثيراً بما قاله الملك. ولا أدري فيما بعد ما جرى للأملاك هذه.
|