* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي البلهاسي:
أثارت التصريحات الإسرائيلية حول دور أمني لمصر في غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي منها جدلا في الشارع السياسي المصري. وحذرت مصادر سياسية من مؤامرة إسرائيلية لوضع مصر في مواجهة مع الفلسطينيين وذلك في الوقت الذي قوبلت فيه هذه التصريحات بالرفض والاستنكار على المستوى الرسمي المصري. وأكد الرئيس مبارك أنها كلام يراد به باطلاً حيث ستنتقل المواجهات حينئذ لتكون بين الفلسطينيين والمصريين وتساءل كيف أرسل قوات إلى غزة لتوفير الأمن والأمان وأن أحل محل الإسرائيليين وأضرب الفلسطينيين؟
وأكد الرئيس مبارك أن أساس الاستقرار بعد الانسحاب أن تكون المسؤولية للسلطة الفلسطينية لأنها الأجدر في فهم الفلسطينيين وتعي طباعهم مشيرا إلى أن مصر لا ترغب في الدخول في صراعات ولكن يمكنها المساعدة في حدود وذلك في إشارة إلى امكانية قيام تنسيق بين مصر والسلطة الفلسطينية بشأن مرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة وربما كان هذا التنسيق محور المناقشات التي سيجريها الوزير عمر سليمان في زيارته إلى الأراضي الفلسطينية خلال الأيام القادمة والتي سيلتقي خلالها بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لبحث خطة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وذلك وفق ما أعلنه اللواء جبريل الرجوب رئيس مجلس الأمن القومي الفلسطيني في حديث لصحيفة القدس ومن جانبه أكد محمد بسيوني مساعد وزير الخارجية المصري وسفير مصر السابق في إسرائيل في تصريحات خاصة للجزيرة أن مصر لن تقوم بدور الشرطي لحماية إسرائيل ولن تضع نفسها في مواجهة مع الفلسطينيين ولن تتدخل إلا فيما يتعلق بتأمين حدودها مشيرا إلى امكانية قيام تنسيق مصري فلسطيني في مسألة ما بعد الانسحاب وقال إن التنسيق المصري الفلسطيني لن يتوقف يوما من الأيام فنحن شركاء ولسنا وسطاء في القضية الفلسطينية التي نعتبرها قضية قومية والأمن الفلسطيني لا ينفصل عن الأمن المصري وأضاف نحن نرحب بأي خطوات من جانب إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة بشرط أن يكون في إطار السلام الشامل والعادل وعلى هذا لابد أن يكون الانسحاب الإسرائيلي من غزة خطوة على طريق إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة كما جاء في خريطة الطريق وانتقد بسيوني الإجراءات الإسرائيلية من جانب واحد قائلا إنها سياسة خطأ ولابد من تنسيقها مع أصحاب الشأن الفلسطيني وقال إن مسألة الانسحاب لابد أن يتبعها خطوات أخرى أهمها هل سينفذ شارون الممر الآمن الذي يوصل غزة والضفة ويشغل ميناء غزة ومطار غزة أم هل سيعزلها عن بقية الأراضي الفلسطينية.
مزايا إسرائيلية
ويرى محللون ومراقبون مصريون أن إسرائيل تسعى لتحقيق العديد من المزايا من وراء دفع مصر لدور أمني في غزة أولها إنهاء عبء الاحتلال الإسرائيلي لغزة وتحميل مصر العبء الأمني والسياسي والديموغرافي الهائل الذي يشكله هذا القطاع وبذلك تلقى إسرائيل على مصر تبعات أي عمليات من المقاومة ضدها وتوريط مصر في مواجهة مع منظمات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وثانيها الربط بين مصر وغزه والسماح للفلسطينيين بحرية الحركة من القطاع إلى مصر لتمهيد الأجواء للمقترح الإسرائيلي باقتطاع جزء من سيناء لإقامة الدولة الفلسطينية وهو ما تعتبره مصر (فكر حشاشين) طبقا لتصريحات لوزير الخارجية المصري أحمد ماهر في رده على هذه المقترحات.
ومن المزايا التي ستحصل عليها إسرائيل أيضا من دور أمني لمصر في قطاع غزة كما يقول المراقبون تحويل غزة إلى تجربة اقتصادية كبرى وبؤرة للاستثمارات العالمية لتكون بذلك اختبارا جديدا للسلطة الفلسطينية كما أن انسحاب إسرائيل من غزة سيقلل من الخطر الديمغرافي الذي تخشاه إسرائيل وذلك بخصم 1.3 مليون فلسطيني هم سكان غزه من الميزان الديمراغي واضافة 7500 مستوطن سيغادرون غزة إلى إسرائيل
محاذير الدور الأمني
ويرى بعض المراقبين أن هناك بعض العوامل التي يمكن أن تزيد الضغوط على مصر لقبول دور أمني في غزة ومنها وجود اعتقاد دولي بأن هناك فراغاً أمنياً في الأراضي الفلسطينية يحتاج إلى من يملؤه واعتقاد أيضا بأن هناك التزاماً مصرياً بالمساعدة في ذلك وهو التزام مصري قديم يعود إلى فترة مفاوضات كامب ديفيد الأولى في سبتمبر 1978 وقيل إنه ورد في رسالة بعث بها الرئيس الراحل أنور السادات إلى الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
بينما يرى آخرون أن اختلاف الأمور حالياً كافة عما كانت عليه وقت توقيع اتفاقية كامب ديفيد ووجود سلطة فلسطينية شرعية لا يفرض على مصر تحمل أي تبعات أو دور أمني في الأراضي الفلسطينية كما أن هذه السلطة تمتلك الأجهزة القادرة على حفظ الأمن لولا الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليها لإضعافها وعلى هذا فإن السلطة الفلسطينية لا تحتاج إلى مساعدة أمنية من مصر أو غيرها وإنما تحتاج إلى وقف الاعتداءات الكافة إسرائيلية عليها حتى يمكنها القيام بمسئوليتها الأمنية.
وأكد المراقبون أن التداعيات المحتملة لدور أمني لمصر في الأراضي الفلسطينية تضع الفلسطينيين في مواجهة المصريين وتؤدي إلى تداعيات لا يرغب فيها أحد بما في ذلك الولايات المتحدة لما يمكن أن ينتج عن ذلك من ضرر ربما يطول الوضع الاقليمي كله في المنطقة خاصة إذا حدث احتكاك بين القوة الأمنية المصرية الموجودة وقوات الاحتلال الإسرائيلي مما قد يدفع المنطقة إلى التوتر من جديد هذا بالإضافة إلى وجود موقف مصري ثابت تجاه إرسال قوات إلى الخارج والحذر المصري الشديد تجاه هذه المسألة وهو الذي أكدته تصريحات الرئيس مبارك الأخيرة برفض المقترحات الإسرائيلية بدور أمني لمصر في قطاع غزة.
ويتوقع المراقبون استمرار الرفض المصري لمسألة القيام بدور أمني في قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي مشيرين إلى أن الدور المصري بعد الانسحاب سيتركز على التنسيق الكامل مع السلطة الفلسطينية على أسلوب إدارة القطاع باعتباره جزءا من الأمن المصري وسيساعدها على ذلك علاقتها الطيبة بالفصائل الفلسطينية وربما دعت مصر إلى اجتماع بين الفصائل الفلسطينية للتعاون مع السلطة الفلسطينية في مجال الترتيبات الأمنية لإظهار قدرة الفلسطينيين على إدارة شؤونهم بأنفسهم أمام الرأي العام العالمي وكسب نقطة إيجابية في صالح القضية الفلسطينية تساعد على تكثيف الضغوط على شارون للانسحاب من باقي الأراضي المحتلة.
|