حركة (الإخوان المسلمون) المصرية تتعامل في الشأن السياسي من خلال توظيف الإسلام كذريعة للقفز إلى كرسي السلطة. تاريخياً الإخوان هم أول من اعتبر أن الاغتيال السياسي ضرب من ضروب الجهاد عندما أمروا أحد المنتسبين إلى حزبهم باغتيال (النقراشي باشا) أحد رؤساء الوزارة في العهد الملكي في مصر. وهم - أيضاً - أول من أباح (الانتحار) على انه من أصناف الجهاد, إذا كان لخدمة الإسلام والمسلمين, والذود عن مقدساتهم وتحرير أرضهم. فاغتر بهم كثير من الشباب الغض, الأمر الذي أدى إلى تفشي هذا الفكر الخطير بين الحركات الإسلامية, وبالذات الجهادية منها, ليصبح (الانتحار) كوسيلة مباحاً, بل ومنفذه (شهيداً). وتحولت لذلك العمليات الانتحارية إلى (عمليات استشهادية). وتطورت القضية إلى أن أصبحت (وسيلة) من وسائل المقاومة السياسية والنضالية المشروعة التي يتسابق إلى تنفيذها الشباب عند أي خلاف سياسي مع دولتهم ونظامهم الحاكم داخل وطنهم كما حصل في السعودية والمغرب, طالبين للأجر والمثوبة والجنة.
وبتتبع أصل فتاوى إباحة (الانتحار), وجدت أن أول من قال بمشروعيتها من العلماء المسلمين المعتبرين هو الشيخ يوسف القرضاوي مفتي قناة (الجزيرة) الشهير, وأحد أساطين الإخوان وعلمائهم. والغريب أن نجد الآن كثيراً من الكتاب والمفكرين العرب, وكذلك الغربيين, عندما يتناولون بالتحليل ظاهرة الإرهاب, وبالذات الإرهاب القائم على العمليات الانتحارية ينسبون ذلك إلى فكر الدعوة الوهابية. وهذا غير صحيح، بغض النظر عن تشدد هذا الفكر من عدمه في المسائل العقدية ومسائل التعاملات الدنيوية وموقفه من المُخالف. يقول واحد من أهم علماء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهو الشيخ محمد بن عثيمين, والمتوفى قبل أحداث 11 سبتمبر, في إجابة له على سؤال وجه إليه حول رأيه في حل العمليات الانتحارية: (رأيي في هذا أنه قاتل لنفسه, وأنه سيعذب في جهنم بما قتل به نفسه, كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم, لكن الجاهل الذي لا يدري وفعله على انه فعل حسن مرضي عند الله أرجو الله سبحانه وتعالى ان يعفو عنه لكونه فعل هذا اجتهاداً, وإن كنت أرى أنه لا عذر له في الوقت الحاضر لأن هذا النوع من قتل النفس اشتهر وانتشر بين الناس, وكان على الإنسان أن يسأل عنه أهل العلم, حتى يتبين له الرشد من الغي. ومن العجب أن هؤلاء يقتلون أنفسهم مع أن الله نهى عن ذلك وقال:(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)(29) سورة النساء. وكثير منهم لا يريدون إلا الانتقام من العدو على أي وجه سواء كان حلالاً أو حراماً, فهو يريد أن يشفي غليله فقط, أو يروي غليله, ونسأل الله ان يرزقنا البصيرة في دينه والعمل بما يرضيه انه على كل شيء قدير. مجلة الدعوة: العدد - 1598 - 28 صفر 1418هـ) . كما ان مفتي السعودية الحالي يرى نفس الرأي, اضافة إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- والذي هو أشهرهم على الإطلاق.
وكنت أتابع ردود الفعل على الهجمات الانتحارية التي تعرضت لها مجموعات من إخواننا الشيعة في العراق في إحدى القنوات الفضائية, فذهلت وأنا اسمع أحد المعلقين الأجانب يقول: إنهم - أي الانتحاريين - جاءوا بكل تأكيد من الخارج, فالمقاومة من خلال الانتحار هو فكر وهابي بحت (كذا)، تبنته القاعدة التي تعتمد الوهابية كفكر ومنهج لها! والسؤال: هل أصبحت ممارسات (القاعدة) لمجرد ان بعض منتسبيها سعوديون هي الممثل للدعوة الوهابية؟. ثم أين من (أفتوا) بحل العمليات الانتحارية كوسيلة مشروعة في فلسطين من هذه الحقائق؟. أين الشيخ القرضاوي مثلاً؟
والسؤال : من المسؤول عن هذا التجني على هذه الدعوة, ولماذا أصبحت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السبب الذي افرز (مشروعية) الانتحار في العمل السياسي, أو (الجهادي) كما يروق لهم التسمية, رغم انها بكل تأكيد لا صلة لها بذلك كما تشير بكل وضوح أقوال علمائها المعتبرين؟. هل هو - مثلاً - تقصير من أصحاب الدعوة نفسها, أم هو نتاج عن تقصد من قبل الآخر لغايات سياسية ينضحُ منها الابتزاز والاصطياد في الماء العكر, لتحقيق أهداف سياسية؟.
أسئلة لابد من الاهتمام بها, والعمل على تنفيذها, حتى لا يُقال أن للوهابية دوراً في انتشار سارس أو أنفلونزا الطيور أيضاً!.
|
