يعتقد بعضهم -خطئاً- أن لفظ (المجاملة) الشائع كثيراً في هذا العصر مشتق من (الجمال)، إلا أنني شخصياً أعتقد أنه لا توجد أدنى علاقة من قريب أو بعيد بين المجاملة والجمال.. فالمجاملة تعني الحرج وتضييق الوقت والحقوق، أو أن تفعل شيئاً لا ترغب فيه إرضاءً للآخرين.
وقد يقول قائل: إن المجاملة شر لا بد منه، نفعله في معظم الأحيان وفي معظم أوجه الحياة رغم تضجرنا منه.. وإذا قبلنا جدلاً مثل هذا الكلام في حياتنا العادية.. إلا أنه في المجال الطبي يجب أن نتوقف مراراً وتكراراً قبل القيام بذلك؛ لأنها ببساطة تعني تدني المستوى الصحي.
ولكي أدلل على صحة ذلك، اسمحوا لي أن أذكر بعضاً من صور المجاملة الطبية التي نعايشها بشكل يومي داخل العيادة.
- بعد الانتهاء من الاستشارة الطبية تطيب نفوس بعض المرضى للسواليف الاجتماعية، والتي أحياناً تستغرق وقتاً أطول من الاستشارة الطبية، ويصعب على بعض الأطباء (الخجولين) إيقاف (السوفلجي) عند حده، ولا ينقذ الطبيب إلا قول الممرضة: بابا فيه مريض ثاني!
- يلح معظم المرضى في الحصول على موعد قريب، حتى وإن لم يكن هناك حاجة لذلك. والمكاسرة في المواعيد أمر مألوف يومياً، حتى لو كنت أعطيت أحدهم موعداً بعد أسبوعين لقال لك: (وليش ما نخليه عقب أسبوع). وكأنها دايرة أسبوعية، وهذا يحرم كثيرين من المرضى النظاميين.
- كثيراً ما يطالب المريض علاجات (أدوية) لمدة أشهر طويلة لكي يخفف من زياراته المتكررة للصيدلية، وقد يكون له في ذلك وجهة نظر، لكن الواقع هو الذي يحكم، فأخذ المريض لعلاجات أكثر مما يحتاجه قد يحرم مريضاً آخر بحاجة لنفس الدواء.
- في معظم الأحيان يكون وقت العيادة محدوداً، وعدد المرضى أكثر من المطلوب، بخاصة مرضى جبر الخواطر الذين يأتون دون موعد مسبق، وهو ما يزيد في تأخير العيادة وضجر المراجعين.
- من أكثر الأشياء التي تزعج الطبيب في العيادة هي مرافقة المريض إذا طلب فحصه، حتى إن بعض الآباء يستغل الموعد بأن يحضر أفراد أسرته الكريمة للفحص الشامل ناسياً أو متناسياً أنه سيؤخر المريض الذي يليه.
- (الجوال).. إما أن تكون طبيباً مثالياً وتغلقه داخل العيادة، وهذا هو الأفضل، وإن كان بعضهم يفسر ذلك بالتهرب و.... أو أن تفتحه على مصراعيه، والله يعين المريض إذا كان الطبيب من أصحاب العلاقات العامة، فهذا يطلب منه تقديم موعد، وآخر تأخيره، وذاك يطمئن على ابنة جارة أخته من الرضاعة التي تعاني طفحاً جلدياً بسيطاً منذ شهرين، حتى إنني أعرف بعض الأطباء قد تخلوا عن الجوال تماماً، وعادوا لاستخدام (البيجر) فقط!
كل هذه الأمور تحدث داخل العيادات والطبيب يجامل ويبتسم ابتسامة صفراء في الغالب، والضحية هو المريض.
فيا مرضانا الكرام، ليَرْفُقْ بعضكم ببعض، ولا أبرِّئ نفسي ولا إخواني الأطباء من المشاركة في هذه الأخطاء، ولكن لنُسدِّد ولنُقارب.
* استشاري أمراض جلدية وجراحة الجلد والعلاج بالليزر |