أخي الكريم وأستاذنا خالد المالك سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
اشارة الى ما نشر بقلمكم حول عدم إفصاح بعض الناس عن بعض أخبارهم وتجاربهم حتى بعد وفاتهم بحيث تبقى هذه الأمور دفينة معهم في قبورهم.
عليه يسعدني أن أذكر بعض ما وقفت عليه في هذا المجال، ولكن قبل ذلك اود أن انقل للقارئ نص التساؤل الذي وجهتموه في مقالكم ثم ما وقفت عليه من مناقشة.
قلتم ما نصه:
( وأتساءلُ بعد ذلك: لماذا يلجأ الإنسان لأن يدفن معه الكثير من أسراره الخاصة كما لو أنه يتعمد أن تبقى تلك ضمن أولويات أملاكه الخاصة التي لا حق لاحد بها..
ومن أهم المقتنيات التي لا يريد أن يورثها لاحد..
مع أن فيها الكثير من الخير والجمال والفرصة لأن يُذْكر بها ويُتذكر من خلالها لو وجد ذلك الشريك المجهول!!..)
هذا نص ما قلتم في خاتم المقال، وقبل أن أجيب على هذا لا بد أن اذكر للجميع تلك الرسالة العلمية العالية المستوى القوية في موضوعها ومضمونها للإعلامي القدير الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري في هذا الموضوع تحديداً حيث كانت اطروحاته لنيل درجة الماجستير بعنوان (السيرة الذاتية في الأدب السعودي) وتناول فيها العديد من رجالات هذا الوطن وتحدث في أكثر من (800 ص) عن موضوع السعوديين وكيف يتحدثون عن أنفسهم وناقش هذا الموضوع المهم بشيء من التفصيل.
كما ألف المؤرخ الأردني الراحل الدكتور إحسان عباس كتاباً مهماً يناقش فيه الحديث عن النفس بشيء من التفصيل عند العرب والمسلمين، وكتابه هذا مطبوع متداول تحت عنوان (فن السيرة).
وفيما يتعلق بما ذكره أستاذنا أبو بشار، فقد وقفت على عدة أسباب تجعل الكثيرين يحجمون عن رواية أخبارهم ومواقفهم ولو كانت (بحسب تعبير الأستاذ خالد) فيها الكثير من الخير والجمال.
وهذه الأسباب في تقديري تعود في مجملها إلى عدة أمور منها:
1- خشية الرياء: حيث أن الذكريات بين نوعين إما أن تكون ذكريات مشرفة وطيبة أو ذكريات فيها نوع من التقصير وما يندم عليه، فبعض الناس يحجم عن ذكر أخباره الطيبة تحت حجة أنها خالصة لوجه الله وانه يخشى من أن يكون ذلك من باب الرياء.
2- الخوف من الاعتراف: وقد عبر عنه الدكتور الحيدري في كتابه سالف الذكر بقوله: لذلك رأى هؤلاء القوم أن هذا الفن لا يناسب بيئتهم ولا عاداتهم ولا تقاليدهم من باب أن المؤمن مطالب بستر نقائصه وذنوبه والا يفضح نفسه أمام الآخرين.
3- التواضع وعدم حب البروز، وهذا ديدن كثير من الناس فيرى أن تجربته لا تستحق أن تذكر وتروى للآخرين، ومن أجل ذلك تموت تجربته بوفاته.
وللحقيقة فقد بين غير واحد من علماء الشريعة وعلماء التاريخ أن كل هذه الأسباب فيها نظر. إذ أن الشخص حين يروي تجربته للآخرين قد يكون مأجوراً إذا قصد تلقين دروس للأجيال القادمة ومحبة النفع وهو قادر على الابتعاد عن الرياء بذكر الحقيقة كاملة.
وختاماً.. استغل هذه الفرصة التي اثارها الأستاذ خالد المالك لادعو رجالات هذا الوطن لأن يتحفوا هذا الجيل بكتابة سيرتهم وإتحاف المجتمع بخلاصة تجربتهم، لأن فيها حفظاً لتاريخنا المحلي، ودروساً لا تقدر بثمن للجيل الناشيء.
وفي الوقت نفسه لا يسعني الا أن أذكر بجزيل الشكر والتقدير هؤلاء الرجال من أبناء الوطن المخلصين الذين كان لهم دور الريادة في تسجيل مذكراتهم ونشرها، ومنهم على سبيل المثال صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز والشيخ حمد الجاسر والجهيمان وابن عقيل الظاهري وغيرهم كثير.
والشكر لا يزال موصولاً للأستاذ خالد المالك على كتابته التي كانت الدافع الأول لكتابة هذه الأسطر.
يوسف بن محمد العتيق |