Saturday 13th March,200411489العددالسبت 22 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

همسة عتاب عاجلة لوكيل المدرسة همسة عتاب عاجلة لوكيل المدرسة
عادل علي جودة

كان الوقت يقارب السابعة وأربعين دقيقة من صباح يوم الأحد 16 محرم 1425هـ، فتحت باب البيت واتجهت نحو السيارة، فرأيت فتى يستظل بزاوية محراب المسجد الذي اسكن بجواره، اقتربت منه فإذا به يجلس فوق مصليته - كي لا يتسخ ثوبه- وكان مشغولاً جداً بإخراج أحد الدبابيس من كتابه المدرسي لدرجة أنه لم يشعر بي وأنا أقترب منه حتى وقفت إلى جواره، لم أشأ إفزاعه، فتنحنحت بلطف وبهدوء، ولكنه ارتبك ورفع إليّ بصره فإذا بعينين ذابلتين فيهما بقايا دموع، وعلى قسمات وجهه الهادئ الجميل علامات حزن وخوف وحيرة، حزنت من أجله حزناً شديداً، ولبرهة كلمح البصر تخيلته ابني فانتفضت الدنيا بأسرها من حولي، حاولت أن أبدد حزنه وأخفي حزني- ولكن هيهات- دنوت منه، وجرى بيننا هذا الحوار: قلت (مبتسماً): السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،قال (منكسراً): وعليكم السلام
حاولت أن اضحك ومازحته بالقول: ها.. انتقل الفصل إلى هنا!؟ نظر اليّ بحزن شديد، وبصوت خافت تمتم بشيء لم أسمعه.
قلت: لم أسمعك. أعاد نظرته تلك وقال: طردني الوكيل.
قلت: لماذا؟، قال: لأنني تأخرت.
قلت: لِمَ لم تَعُدْ إلى البيت وتخبر أهلك. ، قال: ذهبت إلى البيت، ولكن أمي نائمة ولم تسمع الجرس.
أخرجت الجوال من جيبي وقلت: اتصل بالبيت لعل الهاتف يكون قريباً من والدتك فترد عليك وتفتح لك الباب. رفض الفكرة قائلاً: الهاتف مفصول.
تفهمت موقفه وقلت: أبوك في البيت أم في العمل؟
قال: في العمل. قلت: اتصل به.
قال: لا أعرف رقمه. قلت: ما رأيك لو نذهب سوياً لوكيل المدرسة، وأنا متأكد أنه سيعفو عنك ويسمح لك بالدخول.
قال: لن أجلس هنا كثيراً، بعد قليل تصحو أمي من النوم. سألته عن اسم المدرسة، فإذا بها مدرسة متوسطة في الحي المجاور، أي أن الفتى أراد أن يبتعد ليس عن المدرسة فحسب، بل عن الحي بأكمله، ضاقت الدنيا في وجهه، لا يريد أن يرى أحداً, ولا يريد أن يراه أحد، ومن المؤكد أن هذا ما استطاع تنفيذه من خيارات كثيرة دارت في خلده لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. والأب مطمئن في عمله، والأم نائمة مطمئنة في بيتها، بالطبع لا ابرىء ساحتهما في سبب تأخير ابنهما عن المدرسة، ولكن لِمَ لا يطمئنان وفي ظنهما أن ابنهما في المدرسة يتلقى العلوم ويكتسب المعارف، ليصبح في المستقبل عضواً عاملاً في المجتمع!! وهنا أتساءل.. أيعقل هذا يا وكيل المدرسة؟ أو هكذا يكون الحل؟ أما كان الأجدر والأصح - إذا كان لا بد من العقاب- أن تتحمل شيئاً من العناء فترفع سماعة الهاتف وتتصل بولي أمر هذا التلميذ بدلاً من أن يطرد من حضن المدرسة ليرتمي في أحضان الشارع؟ وما أدراك ما الشارع؟؟


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved