تعد حماية المجتمع المعاصر من الأفكار الهدامة المضللة عملية اتصالية من الدرجة الأولى. ولذلك، فإنْ نجح المجتمع -اتصالياً- في التعامل مع أبنائه أصبح من الممكن تحقيق عوائد كثيرة لعملية الاتصال تلك. والعكس صحيح أيضاً، فعند فشل المجتمع في عملية الاتصال الإنساني تتكوَّن بيئات كثيرة يمكن أن تمثل مواطن ضعف تعوق عملية الحماية والردع المجتمعي. ويتقدم -عادةً- المُنظِّرون على الممارسين في مجال الحماية المجتمعية؛ حيث تخرج أدبيات كثيرة تتناول موضوع الحماية المجتمعية من كل باب، ولكن واقع تلك الحماية قد لا يكون بالوتيرة القوية ذاتها. ومن هنا، فإن حماية أفراد مجتمعٍ ما من الانحراف قد تعدُّ قضية سهلة جداً، واضحة تماماً، من الناحية النظرية، لكنها من أعقد المشكلات المجتمعية في مجال التطبيق. ويعود ذلك إلى اتفاق عقلاء العالم حول أهمية وضرورة حماية الناس من كل ما هو ضار، لكنهم -بالمقابل- يختلفون اختلافات جذرية حول تحديد ما هو الضرر المقصود، ثم كيف يمكن مواجهة الضرر. ولهذا، فالبعد المهم جداً في ثقافة التصدي للأمور الضارة، والرهان الكبير، يتمثل في الاتفاق على نوع الضرر الذي تجب مواجهته، ثم الأساليب والوسائل التي يمكن استخدامها. ولعل أهم ما يمكن فعله -في هذا الإطار- يتمحور حول الاعتراف بأهلية الناس -بشكل عام- وضرورة مشاركتهم في وقاية أنفسهم ومجتمعهم من الويلات والنكبات. إن المبالغة في تحييد عملية الاتصال مع الأبناء والشباب وأفراد المجتمع مرحلة قد يسوغ أن تنتهي وتتوقف، والأساليب التلقينية والرقابية البائدة للفكر المجتمعي لم يَعُدْ لها بريق في عالم اليوم المشحون بوسائل وأساليب التفاعل الاجتماعي، ولس لها آثار إيجابية إلا في نفوس وعقول مَن لا يزالون يؤمنون بها. إن طفل اليوم يوازي في مدركاته واستيعابه للأمور جيل الشباب في زمن مضى، والشباب قد يفوقون رجالاً في أجيال سبقت. ولذا، فمن غير المقبول أن يُصِرَّ المجتمع المعاصر على الاعتقاد بسذاجة الطفل أو الشاب، وعلى تهميش دورهما الفاعل في الحياة بكل عناصرها ومركباتها.
وليس المقصود -هنا- أن الطفل والشاب مؤهل للحكم على الأشياء ابتداءً، بشكل مطلق وشامل، ولكن الغاية أن يكون التعامل مع أبناء المجتمع، وبخاصة الأطفال والشباب، تعاملاً مؤسَّساً على فهم عميق للدور الفاعل الذي يملكه هؤلاء، وليس على وصاية مطلقة. وبذلك تعقَّدت عملية التربية والتنشئة الاجتماعية تعقيداً كبيراً، وبات الذين يحظون فيها بنصيب وافر، وفعل رشيد، قلة من الناس. رُبَّما أُتِينَا من أن عملية الاتصال عندنا لا تزال تسير باتجاه واحد في غالب الأحوال.
*عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|