Saturday 13th March,200411489العددالسبت 22 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
الشجاع ذو القلب الخرع
عبدالله بن بخيت

رغم أني سعودي وصدام حسين كان يحكم العراق إلا أنني كنت أتنافض من الخوف عند مجرد سماع اسمه. هناك سبب عام لا يخفى على أحد وهو ان العاقل هو الذي يخاف صدام كما يخاف الإعصار أو المرض أو النار، ولكني أملك سبباً آخر يخصني: كنا أيام الثمانينات نجتمع عند بعض الأصدقاء المثقفين والكتاب ونبدأ في التنفيس عما يجول في خاطرنا، لم تكن الكتابة في الجرائد تسعفنا للتعبير عن لواعج الحش والنميمة، كتاباتنا لم تكن سوى مجال للغمغمة والهمس البطيء الذي لا يورث سوى الهم للقارئ. كنا في مجالسنا نجول بين معظم حكام العالم شتماً وتقريعاً ولم يسلم من ألسنتنا سوى صدام حسين، ليس لأنه بطل العروبة وحامي حمى البوابة الشرقية ولكن لأن مندوبه لمهرجان المربد جاهز على الميلين. اما ان يعطيك تذكرة لتسافر إلى المربد مع حجز في أرقى الفنادق أو يبلغ عنك مخابرات صدام وحلها عاد. فإذا لم يلحقك الأذى فليس حناناً وحباً وتسامحاً ولكن لأنك لا تأخذ أولوية أو لا تستاهل الرصاصة التي ستثقب رأسك، وهذا لا يعني انك لن تكون في سجلاته مهما كانت هفوتك. المؤكد انك ستعيش مرعوباً إلى أن تأتي أمريكا بعد سنوات وتلقي القبض على صدام.
لم أكن شجاعاً ولكن أعترف أني كنت عجلاً. اجتمعنا كالعادة في منتصف الثمانينات في بيت الصديق الكاتب القدير الغائب صالح الأشقر، لم يكن غريباً أن تجد في ضيافة الأستاذ صالح وجوها غريبة أو مستنكرة، فبيته كان مفتوحاً للمثقفين والفنانين والدجالين أيضا الذين ألحقوا أنفسهم بالثقافة.
وصلت متأخراً وكان الجميع يتبارون في مدح صدام إما طمعاً أو خوفاً، لم أتبين السبب فانبريت ألعن أبو صدام وأشتم والديه كما جرت العادة. فأنا منذ ان اندلعت الحرب العراقية الإيرانية وأنا أدين هذه الحرب، وأخذت أنسف يدي ذات اليمين وذات الشمال واستدني كل قواميس الشتم التي أجيدها. والاخوة يحاولون إسكاتي ودفعي للحديث عن موضوع آخر، مرة بمقاطعتي ومرة بالتأشير باليد بالخفاء ومرة بتعضيض البراطم. لم أنتبه للإشارات والتلميحات فتماديت حتى أضحى موقفي لا يمكن ترقيعه. وأخيراً قال أحد الحضور: أستاذ عبدالله لو سمحت. ثم أشار إلى رجل يلبس (بنطلون) جالس في صدر المجلس وقال: هذا مندوب السفارة العراقية جاء يدعونا جميعاً لحضور المربد. اقشعر جلدي وشعرت ان الأرض بدأت تميد بي، ليس رعباً من صدام فحسب ولكن كان يجب ان أبدي بعض المجاملة. ولكن الوقت فات ولم يعد أمامي إلا أن أحول شتائمي التنفيسية إلى شجاعة وتسجيل موقف. فزودت العيار وأخذت ألعن صدام ومربده.. المهم. سرينا تلك الليلة وأنا محموم من الرعب، فصدام حسين يطارد خصومه في أي مكان من العالم ولا يميز بين صغير أو كبير، شهير أو غفل. فهو يفغص كل من تطوله يده، ولا شك ان اسمي دون منذ تلك الليلة في سجلاته السوداء.
وبعد يومين اتصل بي أحد الأصدقاء وقال ان مندوب السفارة العراقية بدأ يوزع التذاكر للمدعوين. فقلت: أنت مجنون.. ها الحين أنا أتنافض منه وأنا في الرياض تبيني أروح له بطيارة إلى بغداد؟!.
لم يكن في ذلك الزمان من يجرؤ ان يأتي على سيرة صدام من المثقفين وخاصة من استضافهم في المربد إلا وان يقول: اللهم انصر أمير البعثيين وحامي حمى الثوريين.
كان يوزع على المثقفين ساعة عليها صورته. هذا الشيء الذي فاتني. الساعة لم تكن ثمينة ولكنها ذكريات، لو قيل لي ما تتمنى الآن كنت أقول لو ان صدام لم يوزع ساعات على المثقفين ولكنه وشم أذرع المثقفين الذين تشرفوا بالسلام عليه. كان على الأقل لم يتبجح أحد ويقول اني انتقدته عندما كنت في بغداد. آه لو يعود للحكم كما كان في الثمانينات لو ساعة واحدة لأرى ما الذي سيحدث لهؤلاء.

فاكس 4702164


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved