تناقلت وسائل الإعلام السعودية والعالمية خلال الأيام الماضية خبر إنشاء أول جمعية سعودية لحقوق الإنسان، وهذه الجمعية في حد ذاتها تجربة نوعية لنقل بعض مهام ومسؤوليات القطاع الرسمي إلى القطاع الأهلي؛ ليمارس هذا القطاع عبر مؤسسات المجتمع المدني مسؤولياته وواجباته الوطنية.. وتمثل هذه الخطوة نموذجاً حياً وصادقاً لرغبة القيادة في مزيد من الإصلاحات الوطنية.. وقد عبرت القيادة السياسية في المملكة قبل عدة أعوام عن الحاجة لأن تنشأ داخل المجتمع جمعيتان أو مؤسستان معنيتان بحقوق الإنسان في بلادنا.. وها هي المبادرة قد أتت من قبل مجموعة من أبناء هذا الوطن النبلاء المخلصين، الذين مثلوا أول بذرة من بذور الإصلاح المدني في بلادنا وفق آليات وضوابط وخصوصية مجتمعية تتوافق مع رؤية واتجاهات المواطن والمؤسسة والقيادة السعودية.
ويأتي تأسيس مثل هذه الجمعية في هذه المرحلة من مرحلة البناء والتنمية السعودية، ليواكب تطلعات المواطن السعودي في أن تكون له مؤسسات مدنية مستقلة غير رسمية تعنى بشؤونه الخاصة وتدافع عن حقوقه إن كانت هناك مظلمة فردية أو سلوك تعسفي من مواطن أو مؤسسة أخرى.. وهذه الممارسات المنحرفة التي قد تأتي من بعض الأفراد في بعض المؤسسات الرسمية تأتي في أحيان كثيرة من اجتهادات مبالغ فيها تتجاوز السلوك المؤسسي إلى سلوك فردي ينبغي أن يوقف من خلال ما تشرع فيه مثل هذه الجمعية من متابعات ومراجعات وتحقيقات مختلفة.
ومن المتوقع إذا تم تفعيل دور هذه الجمعية على مختلف الأصعدة فسيكون من ثمرتها أن تتعدل الظروف وتتهيأ المواقف وتستقيم الانحرافات في مجتمعنا ليكون بإذن الله تعالى مجتمعاً مثالياً نموذجياً، يتعاضد فيه الجميع من الأفراد والمؤسسات الرسمية والأهلية لحفظ حقوق الناس واستقامة سلوكيات الأعمال والوظائف الاجتماعية.. وكما أشار إعلان الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان إلى أن إنشاءها أتى من مادة أساسية في النظام الأساسي للحكم الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - عام 1992م، أي قبل حوالي أربعة عشر عاماً.. وتبعها إنشاء الهيئة العامة للادعاء والتحقيق، التي تمثل سلطة أخرى لمتابعة القضايا الجنائية والحقوقية وغيرها من المهام التي تشكل من خلالها سلطة رقابة على مجريات الشأن الأمني والقضائي في بلادنا.
كما نشير هنا إلى أن التحولات الكبيرة التي طرأت على المجتمعات الدولية والمجتمعات الإقليمية بشكل خاص، كانت تتطلب منا أن نبدأ في التفكير بإنشاء مثل هذه الجمعية التي هدفها خير، وغاياتها تصب في مصلحة الوطن والمواطن.
وستكون مثل هذه الجمعية بمثابة مؤسسة تتواصل مع باقي الجمعيات والمنظمات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، حيث وجود مثل هذه الجمعية الأهلية غير الرسمية يعطي مصداقية عالية في تقاريرها وملاحظاتها أمام المنظمات الدولية أو الرأي العام العالمي.. كما أن موافقة خادم الحرمين الشريفين واستقبال الأمير عبد الله لأعضاء الجمعية العمومية لهذه الجمعية الجديدة هو بمثابة اهتمام رسمي كبير بهذه الجمعية، وبمثابة تجاوب مع متطلباتها وأهدافها ويعكس رغبة صادقة في التعاون معها، بما يعود بالفائدة على المواطن والبلاد.
ولن نقف فقط أمام هذه الجمعية، لأن بلادنا ستحظى بمزيد من إنشاء مؤسسات مجتمع مدني.. وبالصدفة في التوقيت، فقد كان مقالي في الأسبوع الماضي يبرز الدور المهم للمجتمع المدني كرديف وشريك فاعل في إدارة الشأن العام في بلادنا.. وكنت أدعو إلى تأسيس مزيد من هذه الجمعيات التي تتناول كل مجالات العمل الخيري والتطوعي والعلمي والإنساني والاجتماعي.. واليوم والحمد لله برزت جمعية - تعد بالمفهوم الدولي - جمعية سياسية ذات صبغة دولية.. كل هذه الجمعيات تعمل من أجل تفعيل دور مؤسسات ووظائف اجتماعية ذات أهمية في مشروع التنمية والبناء والأداء والسلوكيات في بلادنا.
وأخيراً، فإننا نبارك لبلادنا هذه الإنجازات النوعية والنقلات الإصلاحية الكبيرة التي أخذت مكانة ودوراً حيوياً في مسيرة التطوير المؤسسي والفكر الإداري والسلوك الوطني.. ونحن بلا شك على أعتاب تحول نحو مزيد من القوة والمتانة والتطوير في شتى المجالات، وخاصة تلك التي تعزز من مكانة وشخصية المواطن.. ولكن في نفس الوقت، فمن واجب هذا الوطن علينا أن نفكر إلى جانب اهتمامنا بحقوق المواطن إلى موضوع الواجبات الملقاة على عواتقنا والمسؤوليات التي تتطلبها مرحلة البناء الحالية.. فلا ينبغي أن نغفل في سياق الحديث والعمل على جانب الحقوق التي يستحقها المواطن ما يقابل ذلك من واجبات ومسؤوليات.. ونحتاج أن تكون لنا وقفة متأنية ولحظة تفكير واعية في الواجبات التي ينتظرها الوطن من المواطنين.. فهل يمكن مثلا أن تنشأ بيننا جمعية تعنى بالحقوق التي يتطلبها الوطن من المواطنين؟ وهنا أذكر أن الرئيس الأمريكي جون كيندي في حملته الانتخابية التي أوصلته سدة الرئاسة في مطلع الستينيات الميلادية كانت في جوانب منها تحت شعار الواجبات الملقاة على عاتق المواطن الأمريكي.. وقد كرس مفهوم أن السؤال الأساسي ليس ما يقدمه الوطن للمواطنين، ولكن السؤال الأهم ماذا يقدم المواطنون للوطن.. وهنا نتمثل في هذا الطرح لنسأل: ماذا ينبغي علينا - المواطنين السعوديين - أن نقدمه لخدمة هذا الوطن؟ وأعتقد أن هذا الموضوع يستحق منا أن نفكر جدياً في تأسيس جمعية معنية بمواجبات المواطنة في بلادنا.. فقد آن الأوان لأن نتحرك جدياً في هذا الاتجاه.
( * ) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال وأستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود |