Friday 12th March,200411488العددالجمعة 21 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حَتَّى لَا يَبِيضُ الْخَطَأُ وَيُفْرِخُ. حَتَّى لَا يَبِيضُ الْخَطَأُ وَيُفْرِخُ.
من وحي الأخطاء في اللغة، إليكم هذه التذكرة

عبر رحلة باسمة إلى صفحة (عزيزتي) كنت أروم الحديث فيها عن هموم المرأة المسلمة يوم أن تراءى لي مقال الأخت هيفاء عبدالرحمن في عدد الجزيرة (11472) ليوم الأربعاء 5-1- 1425هـ الخامس من شهر محرم لعام ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين للهجرة ، حينها أصاب سهمي جانب اللغة في ذيل مقالها ، حينها ترددت، أأتحدث عن النساء وهمومهن حول العنوسة أم أصرف جل كلماتي وعبارتي إلى الجانب الذي أصابه سهمي من اللغة؟
فقلت لعل اللغة تحظى بالنصيب الأوفر من أسهمي ولأرجئ الحديث عن هموم النساء والعنوسة إلى أجل قريب - بمشيئة الله - ولألقي عبارات أصدقكم القول فيها.
أحبتي على ضوء ما قرأته من حديث الأخت هيفاء - بارك الله فيها وفي غيرتها على لغتنا العربية - حقيقة سايرتني هموم لغوية ركبت فيها سماء التحدي وملاسنة هذه الأخطاء والحد منها طالما اننا نعلم ان الخطأ هو ذلك المرض المؤلم المحدق بلغتنا.. وذلك الجرح النازف في جسدها وتلك النقطة السوداء في جبين ثقافتنا.. نعم تلك النقطة التي تكبر شيئا فشيئا ان نحن أهملناها ولم نتعهدها بالتصحيح والرعاية حتى لتطول المسافة بيننا وبين لغتنا عند تهميش أخطائنا وتقبلنا أخطاء عديدة بحجم نقاط وفواصل كل مقالة نكتبها لم لا تقل بحجم وبعدد تلك الأخطاء التي تقع في حديثنا كتابة وقراءة وإنشاء!!
أفلا تعلمون أيها الأحبة أنه عند تفاقم هذه الأخطاء عندها قد لا نفهم معاني القرآن لأنه بلسان عربي مبين وإذا ما تمَّ ذلك - لا قدر الله - بقي القرآن في أيدينا ألفاظاً بلا معنى وأصواتاً نجد اللذة في سماعها دون أن يكون لها في حياتنا أثر، وبذلك يتحقق مطلب دعاة التنصير وحلفائهم اليهود قاتلهم الله!! وهل نرضى بأن يبيض الخطأ في لغتنا ويفرخ ؟
وإن حصل فسيصبح الأدب العربي الأصيل شعراً كان أو نثراً طلاسم وألغازاً وأساطير لا نفهم معناها وهذه هي مرحلة النكران والجحود وليس أقبح وأسوأ مما ذهب إليه دعاة التغريب عندما قالوا بإنكار الشعر الجاهلي وأنه منحول.. حتى نُقضت دعواهم ورجع البعض منهم عنها ، ذلك أنها آراء وأقاويل واهية ساذجة، فضلا عن دعاة العامية والحداثة في هذا العصر الذين ما فتئوا يطاردون لغتنا بكلماتهم اللقيطة وهم يحملون معاول هدمها وهل أعمق أثراً في جرح لغتنا وأشد إفساداً فيها من هؤلاء ؟
حقيقة سرني والله ذلك الاهتمام وتلك المصافحة المحمومة لجانب لغتنا العربية.. وأثلجت صدري والله تلك النداءات التي انطلقت من فوهة أقلام كتَّاب (العزيزة) الأوفياء كلهم يطالب ويناشد بمثول قضايا لغتنا لغة القرآن عبر عمود في هذه الصفحات الرائعة.. ولعل آخرها نداء الأخت هيفاء.. فتحية لها ولكل من أطلق عنان قلمه لهذا النداء وانتشى في هذا الفضاء من فضاءات (العزيزة) والحقيقة.. بدت لي فكرة طرح بعض الاخطاء اللغوية.. أو العبارات اللغوية التي يقع فيها الكتَّاب عامة أو لنقل أنها تجري على ألسنة الخطباء ونجدها كثيراً في جرات أقلام الكتاب هذه الأيام.. وشجعتني الأخت هيفاء بندائها على مثولها على الصفحات، وأقول:
هذه محاولة متواضعة لعرض بعض ما تسعفني به الذاكرة من هذه الأخطاء وأقول لكم:
يا معشر الكتَّاب تذكرتي لكم
تجدونها بيد الولاء مسطَّرة
أوضحت فيها ما عثرت عليه من
غلطاتنا اللغوية المتكرِّرة
وعرضت إيضاحي عليكم راجياً
أن تقبلوه على سبيل التذكرة
من هذه الأخطاء:
استعمالهم لكلمة (حَاضَرَ) و(مُحَاضَرَة) و(مُحَاضِرْ) بدلا من (خَطَبَ) (خُطْبَة) (خَطِيبْ)
وما أكثر ما تدور هذه الألفاظ على أفواه المتكلمين وعلى ألسنة الخطباء واقلام الكتَّاب.. ربما هم يتوهمون أن لفظة مُحاضِرْ أو مُحَاضَرة.. هي أفخم من حيث التعبير أيضا نجدهم يفضّلون كلمات (تعريب) و(مُحرِّر) و(أستاذ) على (تَرْجَمَة) و(كَاتِبْ) و(مُعَلِّمْ) ربما لهذا الوهم نفسه.
فالمحاضرة مصدر حَاضَرَ بمعنى عدا وسابق أو بمعنى جاء بالجواب حاضراً!! إذاً هي العدو والسباق وأن يجيب الواحد صاحبه بما يحضره من الجواب من ذلك المحاضرات الشعرية كما بين عبيد الأبرص وامرؤ القيس، وفلان حسن المحاضرة أي: المجالسة، والمحاضرة من فنون الأدب، ونحن نعرف الأئمة الذين اشتهروا بالبلاغة والبراعة في الخطابة لم نقرأ أو نسمع أن أحداً منهم نُعت بكلمة (مُحَاضِرْ) إذًا خطيبٌ أبلغ !!
- أيضاً يقولون: (أجاب على سؤاله) (وذهب يفتش عليه) ومن قراءاتي علمت أن هذين الأسلوبين يستعملان خطأ.. ومرد ذلك إلى أنهم يعدّون كلا من هذين الفعلين بعلى، والصواب ان يعدَّى الفعل الأول بنفسه أو بعن أو بإلى فنقول (أجبت سؤاله) أو (عن سؤاله) أو (إلى سؤاله) وأما الفعل الثاني فيعدّى بنفسه إن أريد استعماله.
بمعنى تصفح نحو: (فتَّشت الكتب) ويعدّى بعن إذا كان بمعنى سأل واستقصى في الطلب نحو (فتَّشت الكتب) ويعدّى بعن إذا كن بمعنى سأل واستقصى في الطلب نحو (فتَّشت عنه).
- أيضاً يقولون: (أمضى فلان العقد بصفته مديراً للشركة) والخطأ هنا في استعمالهم (بصفته) وهذا دخيل على لغتنا وليس منها في شيء.. إذ هناك ما هو ألطف وأصحّ كأن نستغني عن (صفته) بالكاف كأن نقول :(أمضى فلان العقد كمدير للشركة)، وهي هنا للتمثيل بمالا مثيل له ويقال لها كاف الاستقصاء.
- ومن الأخطاء الشائعة وبكثافة قولهم: (لم يعد يصلح للاستخدام) و(لم يعد قادراً على العمل) وهذا شائع بين كثير من الكتاب وقرينة الكلام في هذا الاستعمال تدل صراحة على انهم يريدون بالفعل (يعود) مضارع عاد بمعنى صار. فالصواب إذاً ان يسلط لا النفي على خبره لا عليه نفسه فيقال: (عاد لا يصلح للاستخدام) أو (عاد غير قادر على العمل) أو (عاد لا يقدر على العمل).
وكثيراً ما نقرأ عبر صحفنا عبارة (صادقت الوزارة على تعيين فلان) (وصدَق الملك على الحكم) بل إن البعض الآخر يصلح هذه الخطأ بخطأ آخر وهو (صدَّقه) بالتشديد.. ومن خلال استقصائنا لكتب اللغة وجدناها كلها أخطاء ، لأن معنى (صادقه) كان صديقاً له، و(صدَّقه) ضد (كذَّبه) فالصواب أن يقال: (أجاز الشيء أو أمضاه أو أقرَّه أو وافق عليه).
- ويقولون :(كبدَّه عناءً جزيلا) و(تكبَّد في عمله تعباً لا يوصف) فيستعملون (كبَّد) بمعنى (جشِّم) وكلَّفَّ وتكبَّد بمعنى عانى وقاسي، وفي اللغة كبَّدت الشمس وتكبَّدت صارت في الكُبَيْدَاء أي وسط السماء وتكبَد الشيء قصده.
فالصواب أن يقال في الأول (جشِّمه أو حمِّله عناءً جزيلاً) وفي الثاني كابد في عمله... إلخ.
- ويقولون: (رضخ له) (ولم يسعه إلا الرضوخ لأمره) وفي اللغة رضخ الشيء رَضْخاً كَسَرَه. ورضخ له من ماله رضخة أعطاه يسيراً. ولم يُسمع قط استعمال هذا الفعل بمعنى الطاعة أو الإذعان والانقياد.
- أيضاً مما يقع فيه كثير من الكتاب استعمالهم وَهْماً (ذات) للتوكيد كالنفس والعين فيقولون (ودار الحديث على الموضوع ذاته) والصواب نفسِه أو وعينه. بكسر (السين والعين).
- أيضاً قولهم: (وأصحبني برسالة إلى فلان) وهذا خطأ حيث يعّدون الفعل اصحب إلى مفعوله الثاني بالباء.
والصواب (وأصحبني رسالة) لأنه من الأفعال التي تنصب مفعولين.
أيضا نسمع كثيراً عبارة (ترحاب) في قولهم (فاستقبلوه بمزيد من الترحاب) ولم يسمع ترحاب عمّن يوثق بعربيته.
فالصواب الترحيب من رحّب به إذا دعاه إلى الرحب وقال مرحباً.
- كثير من يقول: (هذا صحافي لَحُوح) أي: لَجُوجْ وهذا خطأ لأن المستعمل من هذه المادة إنما هو ألحَ فهو مُلِحٌ ومِلْحَاحٌ.
- أيضا ونحن نعترف بوقوع هذا الخطأ ونجده في كتاباتنا كثيراً ألا وهو التكرار. إذْ كثير ما نولع بالحشو وتكرار الألفاظ في عباراتنا.. ونكثر من المترادفات بلا أقل فائدة للمعنى. ولأضرب مثلا كأن نقول: (لعمري إنهم ما كان يكون في وسعهم إلا الوقوف بجانبي) لم لا نستغنى عن عبارة (ما كان يكون في وسعهم) بعبارة (لم يسعهم) ونختصر. ونتجنب التكرار!!
أيضا كثيرا ما نقع ويقع الكتَّاب في إيراد بعض حروف الجر في غير مكانها مع استيفاء الفعل بغرض المعنى من ذلك قولهم: (قابل أهل العلم واستوضح منهم عن آرائهم) وفي هذه الجملة حرفا جر (من وعن ) أعتقد أنه لا حاجة إليهما لأن الفعل (استوضح) في غنى عنهما كليهما فالصواب أن يقال: (واستوضحهم آراءهم).
ونجد هذا التنطع أيضا عند من يقول: (فلا تطمع في كتابتك أن تكون تُعْجِبُ أحدا) والصواب (أن تعجبَ كتابتك أحدَا).
ومن ذلك أيضا ذلك التحوير في الأسلوب بذكر كلمتين لدلالة واحدة كأن يقول في أسلوبه: (هذه تصورات يحفظها العقل في الذهن) والذهن هو العقل.. فكان الأولى أن يكتفي بواحد منهما!
أيضا كثير من الكتَّاب يعدَّون الفعل (نَفَرَ) بنفسه فيقولون: (في نفورك الشيء ما يدعو إلى الشك بوقوعه).
والصواب أن يعدَّى هنا بمن فيقال من الشيء. وتعدية الشك بالباء خطأ والصواب أن يُعدى بفي. والغريب ومما قرأته لمؤلف لا يحضرني اسمه قوله: أن أحد أساتذة البيان ذكر الشك في كتابه بضع عشرة مرّة ولم يعدِّه فيها كلها إلا بالباء.
ويقولون أيضا: (هذا مما يؤسف له) وهذا حسبما اطلعت عليه من الأخطاء الشائعة عند كثير من الكتاب فيعدَّون الفعل (أسف) باللام ولم يسمع تعديته عن العرب إلا بعلى كما قال الشاعر:
غيْرُ مَأْسُوفٍ علَى زَمَنٍ
يَنْقضِي بِالْغَمِّ وَالْحَزَنِ
فالصواب إذاً أن يقال: (هذا مما يؤسف عليه).
أيضا يقولون: (ليس هذا في صالحه) أو (الصالح العام مفضل على الصالح الخاص) فيستعملون الصالح في غير معناه الحقيقي وهو ضد الفاسد والصواب أن يقال: (ليس في مصلحته) أو (ليس في هذا صلاحه) والمصلحة ما يترتب على الفعل ويبعث على الصلاح وعكسها المفسدة.
- يقولون: (لست ألومك لما جرى) والصواب أن يقال: (على ما جرى) أو( فيما جرى).
- نقرأ كثيراً في عبارات الأدباء :(من أول وَهْلَة) و(لأول وَهْلَة) والمسموع عن العرب بغير حرف الجر. تقول: (لقيته أول وَهْلَةً) أو وَهَلَة. أو وَاهِلَةٍ أي: أول شيء.
هذا غيض من فيض الأخطاء التي نخرت جسد لغتنا العربية.. وما أجمل تلك الاشارات إلى أخطاء اللغة.. والتي تكتنفها (عزيزتي الجزيرة) بين الفينة والأخرى.. وفي نظري لا يحمل لواء تصحيح هذه الغلطات سوى الكاتب المتألق حمدين الشحات محمد.. الذي يطالعنا دائماً بايماءاته اللغوية وتعديله لبعض الغلطات اللغوية أثناء الكتابة عند بعض الكتَّاب.. ونلحظ من يجد غضاضة من هذه المتابعة الدقيقة عبر ردود استقرأتها. ومنهم من يعدَّها عيبا وسوءا في كتابته.. وهنا أقول: لا والله أخطأ من يظن ذلك أو يحتمل ذلك في حسبانه!! ومن يفعل ويضمره قلبه فهو إلى التأخر أوجب وأنسب.. وعن اللحاق بركب التميز أغرب!!

أ. سليمان بن ناصر عبدالله العقيلي
معلم بمتوسطة صقلية - المذنب


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved